ها قد مرَّ شهر القرآن.. وانصرمت أيامه ولياليه.. ونصيب كل واحدٍ منَّا فيه ما قدَّم....
**في فلسفة العمل فيه.. والحرص على السعي فيما (ينفع الناس) ويقضي حوائجهم.. ومواصلة الاجتهاد (الدنيوي) ما لا يقل عن (أجر العبادة) وفضلها.. والاستزادة من القربات والنوافل.. مع الوعي بترتيب
أولوياتها و(الأهم منها).. هكذا دلَّ ميراثنا الديني / النصي، وهكذا كانت سيرة الأسلاف الأخيار..
لكن (أمَّة) بئيسة خلَفَتهم.. وعُنيت به فريضة وركناً من أركان دينها.. باتت أسيرة محددات ثقافة سائدة وطاغية..
**لابتدأ ببعض خطب مكررة.. وأدبيات معادة.. عن فضله وشرف مواسمه... والكل يعلمها.. ويحفظها عن ظهر قلب.. ويرددها كلما حانت المناسبة لأن يكون أحدهم خطيباً.. يحفظونها نشيداً مستعاداً مفرغاً
من جوهر التدبر.. وشروط الالتزام.. والأمة المعنية فريضةً وركناً من أركان دينها.. أضحت مأسورة ل(ثقافة) صنعتها هي نفسها.. وتمايز بها الأغرار من أبنائها ويتنافس عليها الفارغون من أثريائها.. وعُبَّاد الدنيا من أقطابها.
**(ثقافة) حولته من شهر تنزّل فيه (القرآن).. إلى شهر تتنزل فيه المسلسلات.. والأحاجي والمسابقات والترهات.. التي تشدهم إلى أرخص الغرائز في الإنسان.. و(العرب) بأموالهم وبساحات فضاء غرسوا فيها أقمارهم.. وملايين عيون زرعوا فيها شاشاتهم.. يتبادلون - ويصدرون للعالم- أقبح صورة وأسوأ نموذج عنهم في شهر (رمضان).. زمن الله.. الذي اختصه بالجزاء.. لمن عمل صالحاً واتقى.....
**(أولئك).. لا يتحركون من استغلال بئيس للظرف وجلاله.. والزمن وفضله.. يثير فيه الشهوات ويراهن عليها.. بل ينطلقون من استراتيجية دقيقة مقيتة.. تختطف الإنسان من ذاته.. وتؤلب عليه كل
(الشياطين) الساكنة في أعماقه.. والغرائز المنحطة المكبوتة في كيانه..! ومحركها ومقصدها.. قيم مادية واستحواذ مقيت.. ومراهنة على هوى النفس والشيطان.. لا يعملون بالخفاء.. بل في وضح النهار.. يجاهرون برهانهم بجسارة فائقة ولا ساتر لهم ولا معين.. ولا محفِّز ولا مستجيب.. سوى نزعات نفوس وغرائز ذوات.. غُيِّب في روعها اليقين بالقيمة أو الإيمان بالمعنى...
**ينقضي رمضان.. ويحسبون كم ملهاة سُرُّوا بها.. وكم تافهٍ أُسروا له.. وكم متعة آنية يتذرون حطام هشيمها.. ويعدهم ويمنيهم (أولئك) برمضان جديد يستفرغوا لهم فيه بقايا صدأ لا ينفذ.. ومتاهة لاحدود لها..
**ينقضي (رمضان) ونفوسهم لوثى ببقع صدئهم.. احتراب وخلاف وبغضاء.. وتشتت وانهزام وخسران.. ينقضي (رمضان) والأطهر منهم يزايد على كم ركع.. وكم مرة ختم..؟ (عدد) في الحساب ثقيل... أما الأثر والمعنى.. فلا تسأل..! فهو -وهم- وحده الساقط من الحساب..
Md1413@hotmil.com