كان وجود الأسوار في بعض البلدان قديماً وحديثاً ضرورة تقتضيها الحاجة الأمنية في وقت الأزمات انتقلت إلى الجزيرة العربية من البلاد المجاورة في العصور القديمة زمن الحضارة العربية القديمة في اليمن والشام ثم أيام الجاهلية وفي الإسلام كانت المدن العربية الإسلامية إبان ازدهار الحضارة الإسلامية تحصن مدنها خاصة الواقعة في الثغور الإسلامية من الأعداء الرومان ثم انتقلت مع مرور الزمن ثانية إلى (الجزيرة) العربية بعد ضعف الدول الإسلامية التي تلت سقوط بغداد على يد الهمج التتار عام 656هـ، حيث كانت نجد في القرن الخمس وما بعده مهملة تاريخياً ولم تكن بها دولا موحدة لشتاتها وكانت الحروب تسود قبائلها حيث رجعت بعض عاداتهم الجاهلية الأولى من خلال السلب والنهب والحروب التي تقوم بسبب وبدون سبب، وبعد نشوء القرى النجدية في القرن السابع والثامن وتحضر بعض البادية ظهرت تلك الحصون أو الأسوار فقد كانت الرس من تلك البلدان النجدية التي تحضرت وبني فيها أسوار حيث سكنها الصقيه من تميم بجوار أسرة الدعاجا ثم العجمان، بعد شرائهم حصة الصقيه (1)، وبعد أن كثر سكانها وهاجرت بعض القبائل العربية إلى منطقة نجد منها الظفير وعنزة اللتين نزلتا أرض القصيم فقامت بعض الحروب بين أهل الرس وقبيلة الجلاس من الرولة من عنزة في إمارة عبدالله بن شارخ الملقب (الدهلاوي) وابنه سعد الدهلاوي قام على أثرها الأمير عبدالله ببناء أول سور في الرس في منتصف القرن الثاني عشر الهجري تقريباً (2)، ثم تلاه سورين آخرين الثاني قبل قدوم إبراهيم باشا إلى نجد والثالث قبل قيام الدولة السعودية الثالثة وكنت قد اطلعت على بعض الكتابات عن هذه الأسوار فوجدت فيها بعض التباين والاختلاف مما حدا بي إلى البحث والتحري فقمت بهذا الجهد المتواضع وهي محاولة جديدة، لتحديد تلك الأسوار، إلى أن وصلت بالبحث إلى النحو التالي:
1- السور القديم (الأول) والذي بناه الأمير عبدالله بن شارخ الملقب الدهلاوي ويعتقد أنه بناه في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري طوله تقريباً من الشرق للغرب 150 م ومن الجنوب للشمال 210 م، وقد وجد له أثر عند هدم المسجد الجامع القديم (مسجد قرناس) عام 1385هـ الذي عمرته وزارة الحج والأوقاف عام 1386هـ، وعند نزع ملكية المنازل القديمة الواقعة شمال المسجد المذكور لصالح الشارع رقم (3) عام 1395هـ من قبل بلدية الرس وجد له أثر في منزل الصائغ ومنزل ناصر بن عبدالله الرشيد عبارة عن سورين وقد وجد بعض المواطنين بعض القبوس من حرب إبراهيم باشا التي رمي بها الرس في حصاره لها عام 1332هـ، حيث يحبسها التراب الواقع بين الجدارين وهو الحد الجنوبي من السور وفيه بوابة جنوبية في زاوية الجامع الشرق ومدخل سوق المفرق أما الحد الشرقي فيمتد من بيت الدبيان في المفرق ويسير شمالا بمحاذاة بيوت العقيل (4) العائد وقفهن لعائلة الدعاجا على بيوت حمد الخريجي والصقعبي ويتجه شمالا ماراً بسوق الرس القديم (الثاني) إلى منزل الأمير سعد الدهلاوي، أما حده الشمالي فيمتد من بيوت الخميس والهندي والذويب والخربوش حيث يوجد له أثر في بيوت الذوابا وفيه مقصورة في منزل الخربوش وبوابة بجوار البيت (5) المذكور أما الحد الغربي فيتجه جنوبا منها إلى بيت حمد الزعاقي حيث يوجد معالم سور قديم وآبار (منها حسور القصر) هناك ربما تكون خارج السور والحد الجنوبي يمتد شرقا تجاه منزل ناصر بن سالم الضويان شمالا عن منزل الشعيل حتى يلتقي مع منزل الصائغ شمال الجامع.
2- السور الثاني الذي بناه منصور العساف قبل حرب إبراهيم باشا عام 1232هـ في قصة رواها لي الشيخ محمد العساف محافظ الرس السابق وهي استعداد أهل الرس للحرب بعد ان علموا بنية محمد علي باشا غزو نجد، وفي رواية أخرى أن الذي بناه سعد الدهلاوي (6)، ولكن هذه الرواية ضعيفة لأن الأمير سعد توفي عام 1230هـ، قبل حرب طوسون الذي دخل الرس بالقوة، في غزوته عام 1231هـ، فكانت درسا لأهل الرس بحماية البلد بهذا السور الذي جاء استعدادا للحرب، طوله بالتقريب من الشرق للغرب 340م ومن الجنوب للشمال 370م يمتد هذا السور من الشمال للجنوب من بيوت الهندي ماراً ببيوت الخميس إلى منزل محمد عبدالله الغفيلي بجوار مزرعة الجفير وقد وجدت فيه مقصورة (7) وربما يكون هناك بوابة إلى بيوت القبلان فبيوت الرشيد الذي فيها قصر أمير الرس صالح عبدالعزيز الرشيد وفيه مقصورة وحوش للخيل وفيه بوابة شرقية (8) ويمتد إلى بيوت القرناس ويتجه إلى قرب مسجد الرشيد شمالا عنه بمسافة ثلاثين إلى أربعين متراً قرب باب العقدة وفي زاويته الشرقية مقصورة القراية (9) ثم يتجه غربا بمحاذاة بيوت الحبس ومقبرة الشهداء إلى نقبة زيد وفيها بوابة جنوبية حتى يلتقي مع الضلع الشمالي قرب بيوت الخليفة (أبو شلق) وفيها بوابة غربية نافذة إلى مصلى العيد وتسمى تلك البوابة براج العيد، ثم يتجه شمالا إلى بوابة ومقصورة باب النقبة قرب المقبرة القديمة ثم يتجه شمالا بمحاذاة المقبرة وفيه مقصورة للمراقبة مطلة على المقبرة في بيوت الشنان بدون بوابة ثم يتجه إلى بيوت الحناكا ليلتقي بالضلع الشرقي عند بيوت الخربوش ثم يمتد شرقا مارا ببيوت الخربوش والذوابا إلى بيوت الهندي والخميس ويحتمل أن فيه بوابة أو مقصورة هناك، ولكن لا أثر لذلك، وهذا السور مكون من ثلاث جدران مبني باللبن طول اللبنة 30 سم وعرضها 20 سم وبين كل جدار والآخر 20 سم يوضع به تراب من أجل أن يمكث فيه الرصاص ولا يخترقه وقد وجد ذلك في بيت الشيخ قرناس وبيت الأمير سعد الدهلاوي (10).
3- السور الثالث والذي بناه الفارس ناصر بن خالد الرشيد في امارة صالح بن عبدالعزيز الرشيد في حدود عام 1320هـ، تقريبا وهو إضافة للسور الثاني وطوله من الشرق للغرب 410 ومن الشمال للجنوب 500م تقريبا، حيث يبعد عن الحد الجنوبي للسور الثاني بمسافة 100 تقريباً.
والذي يمتد من نهاية السور الجنوبي من قبل بيت محمد بن ناصر الرشيد واضعا حفرة المزيني على يمينه وينعطف يمينا باتجاه الغرب واضعا جفرة المزيني على يمينه وبيت عبدالله بن عبدالعزيز الرشيد (عربيد) على يمينه ليتلقي بالضلع الغربي وفيه بوابة ومقصورة نقبة زيد واضعاً حي الزاهرية على يساره إلى أن يلتقي بالضلع الشمالي قرب براج العيد في السور الثاني، اما الحد الشمالي فيمتد من بيوت الحناكا ويمر ببيت ناصر بن علي الدغيثر إلى بوابة ومقصورة باب الخلاء بزاوية المقبرة الشمالية الشرقية قرب المحلات التجارية جنوب السوق التي فيها دكاكين الخياطين حالياً، ويتجه شرقا جاعلا بيوت الخربوش والذوابا والهندي بيمينه تاركا بينهما مسافة تتراوح بين 10 - 15 مترا تقريبا ويتجه شرقا إلى بيوت الصلاح وفي زاويته بوابة ومقصورة، ثم يتجه جنوبا إلى بيوت المالك وفيه مقصورة تسمى مقصورة (هريرة) (11): ثم بيت الأمير عساف وبيت حسين العساف وفيه البوابة والمقصورة الحالية ويتجه جنوبا ماراً ببيوت عبدالله بن ناصر الرشيد وعبدالله الحواس وحمد الرميح وبيوت السمري وفيه بوابة ومقصورة شرقية تسمى بوابة الناهس ثم يتجه بمساره مارا ببيوت الغفالي إبراهيم المطلق وعبيد المحمد جاعلا المقصورة الشرقية الجنوبية (12) على يمينه بمسافة ثلاثين متراً تقريبا ثم يتجه جنوبا ليتلقي بالضلع الجنوبي القادم من الغرب بجوار حفرة المزيني، التي مر ذكرها آنفاً، هذا ما استطعت التوصل إليه بعد بحث واستقصاء استمر أكثر من ثلاث سنوات - وذلك بعد سؤال عدد من كبار السن وممن لهم إلمام بتاريخ الرس واستقراء بعض آثار الأسوار على الطبيعة ومقارنتها ببعض الوثائق التي لدي، أملي ان أكون قد توصلت إلى ما نسبته 50% من الصحة وبالله التوفيق.
***
1- نقلاً عن وثيقة بخط سليمان بن صالح الضويان الراوية عن الشيخ العلامة المؤرخ إبراهيم بن محمد بن ضويان.
2- حسب الروايات والمؤشرات الاجتماعية بالبلد، والأحداث السياسية التي استجدت بالمنطقة.
3- بنيت هذه البيوت عام 1124هـ، كما هو مدون في أحد تلك البيوت.
4- ولكن هناك إشكال: حيث وجدت وثيقة فيها وقف فاطمة الخياط لجزء من بيتها بجوار منزل على الغفيلي شمال عن بيوت العقيل ذكرت فيها عبارة (خارج السور) فإذا كان منزلها بهذا الموقع فإن الحد الشرقي من السور يدخل غربا ليكون ملاصقا لبيوت العقيل ويكون الشارع المتجه لسوق الرس القديم غربا عن بيوت الخريجي والصقعبي خارج السور الأول.
5- رواية عن صالح بن براهيم العبيشي (92) سنة، مؤذن مسجد أسيد بن الحضير بالرس.
6- وهذه الرواية متداولة، انظر: الرس - لعبد الله الرشيد ص: 48
7- وقد وجدت هذه المقصورة وصورتها وهي موجودة قبل هدم منزل محمد الغفيلي بشهور قليلة.
8- ذكر لي ذلك عبدالرحمن بن صالح الرشيد رئيس هيئة الرس الأسبق - رحمه الله - حيث كانت في منزلهم بالسبعينيات من القرن الماضي.
9- ويشير الرشيد أنها القرابة ص: 49
10- الرس عبدالله الرشيد ص: 47
11- ذكر لي ذلك عبدالعزيز الصقعبي
12- بوابة القراية شرقا عن باب العقدة