Al Jazirah NewsPaper Sunday  12/10/2008 G Issue 13163
الأحد 13 شوال 1429   العدد  13163
لما هو آت
{يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُم }«2»
د. خيرية إبراهيم السقاف

فلئن كانت الحقوق المادية منصوص بثباتها للأبناء كما للوالدين في كتاب الله تعالى... وموضحة حدود العلائق بينهم من حيث تعامل الآباء مع أبنائهم فإن هناك ما يوطد مفهوم الوصية الإنسانية في تعامل الآباء مع أبنائهم.. في السنة النبوية الكريمة لأن الأبناء لا يغنون الآباء من الله شيئا بمثل أموالهم التي لا تفعل ذلك وقد نص على هذه الحقيقة قول الله تعالى في أكثر من آية وهو خير من يهدي ويعلم ويربي: {لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا}(سورة آل عمران 116.., وكذلك الآية 17 في سورة المجادلة ) وللتأكيد على مسؤولية الفرد عن نفسه ومآل نتائج أفعاله وأقواله إليه أن جاءه الأمر الإلهي الصريح في هذا الشأن بقوله تعالى: {اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا} (سورة لقمان (33) لذا كان من واجبات الآباء حسن اختيار أمهاتهم.., من ذوات الدين والخلق لضمان تنشئة سليمة قويمة.., وحسن اختيار أسمائهم ليكونوا بين الناس مطمئنين لا تتنازعهم دلالاتها ولا تحرجهم المعاني فيها.., وأن يعلموهم دينهم وينشئوهم على محبة الله تعالى وطاعته عن وعي وفهم لا عن إكراه وغصب.., وأن يكثروا من الدعاء لهم فلا يعثروهم بالدعاء عليهم أو بالغلظة معهم.., وأن يكونوا قدوتهم في فضائل السلوك والأخلاق فيدربوهم على النطق السليم والكلمة المهذبة وأن ينموا فيهم الحياء ويزودوهم بطاقة العمل.., وأن يفسحوا لشخصياتهم أن تؤدي ما وهبته في تكوينها الرباني من مواهب شتى وقدرات خاصة بتعهدها ورعايتها وتمكينها من سبل الاستزادة والنمو.., وأن يربوهم على حسن التعامل وإعطاء كل ذي حق حقه بدءاً بالكبير والصغير وانتهاء للأجير والمحتاج.., وأن يدربوهم على الحدود في كل أمر بما فيها كبح الشهوات وتغليب المفيدات.., حتى الجلوس والنوم والملبس والمأكل من مسؤولية الآباء أن يعودوا أبناءهم فيها على حسن السلوك ووعي التصرف.., ناهيك عن أمرهم بالصلاة والاصطبار عليهم حتى تغدو قرة عين لهم لا ينامون عن فرض ولا يتقاعسون عن سنة.., وتعويدهم قراءة القرآن والتفكر في آياته حتى تلهج ألسنتهم بقراءته وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار.., وأن يتيحوا لهم ثقافة عصرهم ومعرفة منجزاته والتعامل معها بإدراك والعمل على الإضافة لها بعلم.., وأن يعلموا أنهم خلقوا لزمن غير زمنهم فلا يجب أن يقسروهم على ما يرون هم لا ما يريد أبناؤهم لأنهم حين يتأكدون من إيصال هذه الواجبات لهم فإن الأبناء سيكونون مؤهلين للتفاعل الواعي والتعامل الشفيف معها.., فكيف يريد الآباء أن يكون لهم أبناؤهم يوم العرض الأكبر..؟ قرة عين أو شهود تقصير..؟ مع الإيمان المطلق بأن الله تعالى هو الهادي وهو المعين على الهداية والتوفيق والرزق المختلف والتثبيت..,

إن الأبناء أمانة.. وإنهم لزائرو دور فناء..لكنهم مآل العمل الصالح أو الطالح لآبائهم.. فلا يغتر والد أو والدة بما منحهما الله تعالى من حق الصحبة الحسنة والإرضاء والإحسان وما جعل لعقوقهما من عقوبة شديدة فيقصرا فيما أوصاهما عليه الخالق العظيم من أمانة الرعاية للنطفة قبل الظهور وللبذرة بعد العبور وللتربية عند الوقوف في النور.., فلكل منهما حق ما أجمل أن يؤديه أحدهما على تمامه ولا يقتصد في الوفاء به.., إننا بمثل ما ننشد من الأبناء الطاعة في والديهم ننشد طاعة الرب من والديهم فيهم..

والقرآن الكريم والسنة الشريفة وسير العلماء والمربين والحكماء خير معين ليغرف منه الآباء ليكونوا خير من يؤدي ما أوصاه به الله تعالى في حق الأبناء.. فأعينوهم على حياتهم ولا تحرموهم أن يعيشوا فيها في سلام.. فالله تعالى يوصيكم في أبنائكم العدل في أموالكم.., والجهد في تربيتكم.., واليسر في تعاملكم.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5852 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد