كنت في دوامة من المتابعة لبعض نشرات الأخبار الاقتصادية العالمية التي لا ينطفئ لهيب حديثها الساخن عن الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي تجتاح عالم اليوم، بادئة من بلاد التسلُّط والاختراق العملي لأخلاق التعامل البشري، وضوابط القوانين الدولية؛ أمريكا التي قال عنها قبل أكثر من ثلاثين عاماً العالم المسلم (أبو الحسن الندوي) أثناء زيارته لها: (إن أمريكا تشبه النمر الضخم المخيف ولكنه نمر من ورق، سرعان ما يتمزّق ويختفي، ويتلاشى، إن سوسة الرذيلة والانحراف عن منهج الله تسري في عظام هذا النمر الورقي).
نعم، كنت من هذه الأخبار المؤسفة، الدالة على أن أخذ ربِّك لمن يتمادى في ضلاله وتسلُّطه أخذٌ أليم شديد، وأنه يأتي من حيث لا يحتسب الناس، كنت من هذه الأخبار في دوامة شديدة مؤلمة لقلب الإنسان، شاغلة لذهنه، مؤذية لمشاعره وإني لفي بؤرة تلك الدوامة، أصارع تياراتها الجارفة، إذ أقبل إليَّ ابناي الحبيبان الطالبان في المرحلة الابتدائية زياد ويزيد، وابنتي الحبيبة الطالبة في المرحلة نفسها (سعدية) التي تسعدني حينما أنادي باسمها لأنها تحمل اسم أمي الغالية - يرحمها الله -، أقول: أقبل إليَّ أولادي الثلاثة يعبِّرون عن تقارب الساعات، وتلاشي الأوقات التي تحول بينهم وبين بداية الركض الجميل المبارك في مدارسهم، ويتحدثون عن تفاصيل دقيقة تتعلّق بحقائب المدرسة وأقلامها ودفاترها وكتبها، وبرّاياتها، وعُلب ألوانها، والملابس المناسبة لبدء عام دراسي جديد.
ما أروعه من حديث وما أجمله، وما أشد بركته، وأقوى تأثيره في النفس. لقد استطاع الأحبة - حفظهم الله - وحفظ أحبتكم الصغار جميعاً - أن يخرجوني من تيارات تلك الدوامة الاقتصادية الخطيرة التي كنت أتابع أخبارها المشحونة بالقلق والأرق والخوف من المجهول، إلى ساحات ركض أحلامهم الجميلة، وما أروعها من ساحات.
الركض الجميل المبارك، ركض البراعم المتفتحة من أبنائنا وبناتنا إلى مدارسهم، وروضاتهم، وركض الشباب المتطلع للنجاح إلى معاهدهم، ومراكزهم، وجامعاتهم المنتشرة في أنحاء بلادنا الغالية، هذا الركض الذي يملأ مسامعنا بأجمل ألحان وإيقاعات خطوات الجد والاجتهاد، والتحصيل العلمي، والتربية والتوجيه، ويفتح لنا نوافذ الأمل المشرق وأبوابه في إنشاء، أجيال مسلمة واعية جادة مؤمنة بربها، منضبطة في دراستها، متألِّقة في أخلاقها وقيمها وسلوكها المستقيم، لعلها تنقذ العالم من دوّاماته التي لا تنتهي.
نعم - والحمد لله - استطاع هذا الإقبال من أولئك الأولاد، على ذلك الركض الجميل في ميادين التربية والتعليم أن يخرجني - في تلك اللحظة - من تلك الدوامة الخطيرة (دوامة انهيار صروح المال والاقتصاد) في كبريات دول العالم، صحيح أنه خروج شكلي مؤقت، ولكنه خروج على كل حال، إلى عالم الركض المبارك الجميل.
أشارة: يا رجال التربية والتعليم ونساءهما، فلذات الأكباد.. بين أيديكم فاتقوا الله فيهم.