Al Jazirah NewsPaper Sunday  12/10/2008 G Issue 13163
الأحد 13 شوال 1429   العدد  13163
رغم تحالف البنوك المركزية في خفض طارئ للفائدة
أسبوع أسود يعصف بأسواق المال العالمية ويفقدها أكثر من 10 تريليونات دولار

فاقمت أزمة الائتمان المالي الأوضاع في أسواق المال العالمية هذا الأسبوع، فبعد خطة الإنقاذ المالي التي تم إقرارها في مجلس النواب وصادق عليها الرئيس الأمريكي يوم الجمعة قبل الماضي، اعتقد الجميع أن أسواق المال ستستقر.. لكن على العكس من ذلك واصلت الأسواق نزيفها الحاد لتفقد اكثر من 10 تريليونات دولار، ولم يسلم أي سوق في العالم أو أي قطاع من الهبوط، كما أن موجة البيع العالمية امتدت من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.

استمرار مسلسل الأرقام القياسي

واستمرت الأسواق في مسلسل الأرقام القياسية الذي بدأت بتحقيقه مطلع هذا العام، فقد هبطت جميع المؤشرات العالمية بلا استثناء محققة أسوأ أسبوع منذ يوم الاثنين الأسود عام 1987م الذي انهارت فيه الأسواق العالمية.. وفقدت أسواق العالم مجتمعة حوالي 20% في المتوسط من قيمتها السوقية، ليخسر العالم حوالي 10 تريليونات دولار في أسبوع هو الأسوأ على الإطلاق..

وكان أكبر الخاسرين هذا الأسبوع دول أمريكا اللاتينية، حيث فقدت في المتوسط ما يقارب 27.5%، في حين خسرت منطقة اليورو مجتمعة حوالي 22% بقيادة مؤشر يوروب توب 100 الذي يضم اكبر مائة شركة أوروبية، وفي آسيا كانت أكبر الخسائر من نصيب ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد منطقة اليورو والولايات المتحدة، فقد هبط نيكاي الياباني وتوبكس الأوسع نطاقاً بمقدار 24.5% تقريباَ ليسجل أسوأ أسبوع على الإطلاق في تاريخ المؤشرات اليابانية، وجاءت هذه الخسائر عقب إعلان أول حادثة إفلاس في اليابان بسبب تبعات الأزمة العالمية، فقد أشهرت أكبر شركة للتأمين في اليابان (شركة ياماتو للتأمين) إفلاسها، لتبعث بالذعر والهلع في نفوس المتداولين، حيث فتح مؤشر نيكاي الياباني الذي يتكون من أكبر 225 شركة يابانية على انخفاض بلغ 10% مما أدى إلى توقف المؤشر قبل أن يعاد فتحه من جديد ليغلق عند انخفاض بلغ 9.7% ويسجل 8276 نقطة.

وفي إندونيسيا لم يفلح إغلاق البورصة يوم الأربعاء في تقليص خسائرها الأسبوعية لتتكبد 23.5% في أسوأ أسبوع للبورصة الإندونيسية على الإطلاق، أما استراليا فقد خسرت 16.5% لتسجل أسوأ أسبوع في تاريخها، كما خسر مؤشر هانغ سينغ بهونغ كونغ حوالي 17%، ومؤشر شنغهاي الصيني حوالي 16.5% لتصل خسائره خلال هذا العام إلى أكثر من 65%، وخسرت بورصة بومباي الهندية حوالي 16%..

وفي الولايات المتحدة خسر داو جونز الصناعي 18% هذا الأسبوع، كما خسر مؤشر ستاندرد اند بورز الأوسع نطاقا اكثر من 18.5%، في حين خسر النازداك حوالي 15.5% في أسبوع هو الأسوأ منذ انهيار عام 1987م، وخسرت كل قطاعات السوق بلا استثناء، لكن الخسارة الأكبر كانت من نصيب قطاع الطاقة بخسارة بلغت 24.5% في حين خسر القطاع المالي حوالي 22%.

وفي الشرق الأوسط قادت سوق الأسهم في السعودية أسواق المنطقة إلى موجة من الانهيارات بعد فتح الأسواق بعد إجازة عيد الفطر، فقد كسر مؤشر السوق السعودية الحاجز النفسي عند 6000 نقطة في يوم الأربعاء ليصل إلى مستوى 5700 نقطة وهو الأدنى منذ ما يزيد على 5 سنوات، لكنه عاد واغلق فوق الحاجز النفسي.. كما فتحت السوق المصرية في أول يوم عمل بعد إجازة العيد على انخفاض بلغ 16%.

وواصلت البنوك المركزية ضخ الأموال في النظام البنكي لحماية اقتصاداتها، وحدثت اكبر عمليات ضخ للأموال على الإطلاق هذا الأسبوع حيث ضخ الفدرالي الأمريكي والبنك الأوروبي وبنوك إنجلترا واليابان وروسيا المزيد من الأموال لتجنب نقص السيولة.. وارتفعت معدلات الإقراض بين البنوك لتتجاوز 5% في الولايات المتحدة، واكثر من 6.5% في روسيا الاتحادية..

هلع شديد في أسواق المال العالمية

وسادت حالة من الهلع المتداولين في كل مكان واقبلوا على بيع الأسهم دون تمييز، وأغلقت الكثير من الأسواق على النسب الدنيا، في حين توقف السوق في روسيا الاتحادية 3 مرات في يوم واحد واغلق على انخفاض بلغ 18.8% يوم الاثنين الماضي، كما أوقفت السلطات المالية في البرازيل سوق الأسهم بعد انخفاض بلغ 15%، وتوقفت البورصة في إندونيسيا بعد أن انخفضت بمقدار 10%، كما هبطت مؤشرات كبرى بنسبة قريبة من 10% مثل كاك الفرنسي بحوالي 9.5% يوم الثلاثاء، ونيكاي الياباني في يوم الجمعة في حين فقدت البورصة المصرية في أول يوم عمل لها بعد عيد الفطر بنحو 16%، كما أغلقت السوق السعودية على النسبة الدنيا في أول يوم عمل له بعد عيد الفطر.

هبوط حاد للنفط والسلع والدولار يلغى خسائره ويحقق أرباحا خلال عام 2008م

أما أسواق الصرف والسلع والنفط فقد شهدت تقلبات كبيرة.. ففي أسواق الصرف انخفض اليورو بقوة أمام الدولار الأمريكي والين الياباني، وسجل اليورو اكبر تراجع له خلال أسبوع واحد منذ أن طرح عام 1999م، وبذلك يلغي الدولار خسائره التي تكبدها هذا العام أمام اليورو، بل انه استطاع أن يحقق ارتفاعا مقداره 5.5% أمام اليورو ويغلق الأسبوع عند 1.3413.. أما النفط فقد انخفض بحدة هذا الأسبوع وكسر حاجز 80$ للبرميل، لكنه عاد واغلق عند 80.5$ يوم الجمعة في موجة بيع محمومة تحسباً لدخول الاقتصاد الأمريكي والعالمي في ركود اقتصادي مما يؤدي إلى ضعف الطلب على الطاقة، وخسر النفط 10% يوم الجمعة.

أما الذهب فقد تحول إلى ملاذ آمن ليرتفع سعره هذا الأسبوع من 835$ للأوقية إلى 925$ يوم الخميس، لكنه عاد وفقد اغلب مكاسبه يوم الجمعة لينخفض بحدة ويغلق عند 844$ للأوقية.. كما انخفضت أسعار المعادن الأخرى كالحديد والنحاس والنيكل والبلاتين لتفقد اكثر من ثلث قيمتها خلال آخر شهرين.. وانخفضت أسعار الألومنيوم في الأسواق العالمية بحوالي 5% ليصل إلى أدنى مستوى له منذ ديسمبر عام 2005م، وانخفضت أسعار الكيماويات 12.2% حسب مؤشر ستاندرد اند بورز الذي يقيس متوسط أسعار البتروكيماويات العالمية.

تحالف البنوك المركزية وخفض متزامن للفائدة

السلطات الاقتصادية والسياسية في العالم تحولت اهتماماتها إلى الاقتصاد، وتحالفت البنوك المركزية إزاء هذه الأزمة، لكن كلمة الفصل جاءت أخيرا يوم الأربعاء، لتعلن مجموعة من البنوك المركزية عن خفض طارئ للفائدة، في تنسيق دل على قوة الأزمة المالية وضرورة تكاتف الجميع.. فقد أعلن مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي عن خفض للفائدة مقداره 50 نقطة أساس لتصبح الفائدة 1.5%، كما خفض بنك إنجلترا المركزي سعر الفائدة على الجنيه الإسترليني نصف في المائة إلى 4.5%، وخفض البنك المركزي الأوروبي الفائدة على اليورو نصف في المائة أيضاً لتصبح 3.75% وهو اضعف معدل للفائدة على اليورو منذ عام 2003م.. وتبعت هذه الخطوة خطوات عديدة من البنوك المركزية العالمية، فقد تم خفض الفائدة في الدانمارك والسويد وسويسرا والصين وكندا وتايوان ودولة الكويت والإمارات العربية المتحدة.. وسبق ذلك بيوم واحد خفض الفائدة في استراليا بمقدار 1% وهو اكبر خفض على الإطلاق، وتم خفض الفائدة في هونغ كونج بمقدار نصف في المائة.

الركود الاقتصادي هو الفصل القادم من كتاب أزمات الإدارة الأمريكية

الركود الاقتصادي، هو الفصل الرابع في الأزمة الحالية، فبعد أن تم الوقوف على الفصل الأول وهو الرهن العقاري، والفصل الثاني وهو خسائر البنوك بسبب الرهن العقاري، والفصل الثالث وهو أزمة الائتمان، بقي لنا أن نستعد للفصل الرابع وهو الركود الاقتصادي الذي ستبدأ ملامحه وآثاره بالظهور بعد صدور مؤشرات النمو في الناتج المحلي الأمريكي GNP والناتج المحلي لأوروبا واليابان وغيرهم.. ولا ننسي أن الفصل الخامس سيكون نتائج أعمال الشركات عن الربع الثالث، وبعدها ننتقل مباشرة إلى الفصل السادس وهو الانتخابات الأمريكية.

لا أحد يستطيع أن يحدد بدقة متى ستنتهي أزمات الإدارة الأمريكية الحالية، لكني أرجح أن يتعافى الاقتصاد الأمريكي مع بداية عام 2010م، وذلك مرهون بتسلم الديموقراطيين مفاتيح البيت الأبيض، ليبدأوا بمعالجة الفصول المريرة التي ستخلفها إدارة الرئيس الحالي جورج بوش.

* خبير اقتصادي ومحلل مالي في الأسواق العالمية



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد