Al Jazirah NewsPaper Sunday  12/10/2008 G Issue 13163
الأحد 13 شوال 1429   العدد  13163
أسباب الأزمة المالية العالمية
د.نورة عبدالرحمن اليوسف

إن الأزمة المالية بدأت نتيجة لارتفاع مغال فيه في أسعار العقارات بما لا يتناسب مع العرض والطلب الحقيقي في أمريكا نتيجة سهولة الحصول على القروض، وعندما عجز المقترضون عن سداد الدين أعادوا المنازل إلى البنوك التي لم تجد من يشتريها، وتفاقمت المشكلة مع عجز الشركات عن تسويق وإعادة بيع هذه العقارات نتيجة لارتفاع أسعارها بشكل مبالغ, وكذلك إلى تراجع القدرة الشرائية لمشتري العقارات من ناحية أخرى ما أدى إلى انتقال العدوى إلى سائر المؤسسات المثيلة.

إنه كان من الطبيعي أن يتأثر السوق الأمريكي بشدة في هذه الحالة, ولكن نتيجة للأوراق التي باعتها البنوك إلى مؤسسات أخرى أو ما يسمى (توريق الديون) وهي الديون المدعومة بالرهون العقارية والتي بدأت تتحول إلى (الرهون عالية المخاطر) بدأ المستثمرون في جميع أنحاء العالم أكثر حذرا في استخدام هذه الأوراق المالية ولم يعد هناك مشترون لها.

وقد أدى ذلك إلى شبه تجميد في توافر الائتمان في جميع أنحاء العالم، يمكن تحديد تلك الأسباب كما يلي:

1- أن الأزمة المالية بدأت نتيجة توفر ما يعرف بالأموال الرخيصة (انخفاض سعر الفائدة حتى وصل إلى 1% في عام 2003م مما رفع الطلب على القروض وخاصة القروض العقارية، ومع سهولة وتيسير هذه القروض تزايد الطلب عليها مما أدى إلى رفع سعر العقار في الولايات المتحدة.

هذه الفقاعة في قطاع العقار الأمريكي أغرت البنوك الكبرى وصناديق الاستثمار على الدخول في سوق القروض العقارية الأمريكي، ما أدى إلى نشر مخاطرها على نطاق أوسع.

2- الرهون العقارية الأقل جودة subprime، وهذا يأتي من أن المواطن الأمريكي يشتري عقاره بالدين من البنك مقابل رهن هذا العقار، حين يرتفع ثمن العقار المرهون يحاول صاحب العقار ونتيجة لسهولة الحصول على قرض فإن صاحب الرهن يسعى للحصول على قرض جديد، وذلك مقابل رهن جديد من الدرجة الثانية، ومن هنا تسمى الرهون الأقل جودة، لأنها رهونات من الدرجة الثانية، أي أنها أكثر خطورة في حال انخفاض ثمن العقار، وتوسعت البنوك في هذا النوع من القروض الأقل جودة مما رفع درجة المخاطرة في تحصيل تلك القروض.

3- الزيادة الهائلة في توريق الديون العقارية Securitization، وهو ما قام به المهندسون الماليون في الولايات المتحدة وأنه يمكن تحويل تلك القروض إلى أوراق مالية معقدة (توريق الديون) يمكن عن طريقها توليد موجات متتالية من الأصول المالية بناء على أصل واحد.

البنوك لم تكتف بالتوسع في القروض الأقل جودة، بل استخدمت (المشتقات المالية) لتوليد مصادر جديدة للتمويل، وبالتالي للتوسع في الإقراض.. وذلك عندما يتجمع لدى البنك محفظة كبيرة من الرهونات العقارية، فإنه يلجأ إلى استخدام هذه (المحفظة من الرهونات العقارية) لإصدار أوراق مالية جديدة يقترض بها من المؤسسات المالية الأخرى بضمان هذه المحفظة، وهو ما يطلق عليه التوريق، فكأن البنك لم يكتف بالإقراض الأولي بضمان هذه العقارات بل استخدم هذه القروض كرهن على قروض أخرى.

4- نقص أو انعدام الرقابة أو الإشراف الكافي على المؤسسات المالية الوسيطة. حيث لا تخضع البنوك الاستثمارية للمنتجات المالية الجديدة مثل المشتقات المالية أو الرقابة على الهيئات المالية التي تصدر شهادات الجدارة الائتمانية كانت دورات الزيادة والهبوط في أسعار العقار مقصورة في السابق على الدول التي تمر بها من قبل، لكن الفقاعة الأخيرة في قطاع العقار الأمريكي أغرت البنوك الكبرى وصناديق الاستثمار من دول أخرى على الدخول في سوق القروض العقارية الأمريكي، ما أدى إلى نشر مخاطرها على نطاق أوسع.

وذلك ما جعل انهيار القطاع العقاري الأمريكي وأزمة القروض العقارية السيئة تنتشر حول العالم وتقود إلى انكماش ائتماني وصعوبة في الإقراض وركود في الاقتصاد تطلب تدخل البنوك المركزية، بضخ المليارات من السيولة النقدية في القطاع المصرفي، وذلك لشراء أصول فاسدة من البنوك، كما تضمنته خطة الإنقاذ الأمريكية على سبيل المثال ورفع مبلغ الضمان الحكومي على المدخرات، كما ورد في خطة الإنقاذ الأمريكية بحيث تضمن ودائع الأفراد من 100 ألف إلى 250 ألف دولار لمنع أي خوف على الودائع البنكية.

وحيث إنه تم توزيع الاقتراض الأمريكي على العالم عبر محافظ سندات الديون لدى البنوك الكبرى ومؤسسات التمويل، فإن ذلك ربما يخفف من أثر صدمة أزمة القطاع المالي على الاقتصاد العالمي، وقد تتضرر الصناديق الخليجية نتيجة انكشافها على المخاطر الخارجية، فمعظمها يملك أصولا في أوروبا وأمريكا الشمالية كما أن تشديد إجراءات الإقراض من البنوك العالمية الرئيسية سيؤثر سلبا على النمو الاقتصادي العالمي ومن ثم على أسعار النفط.

ولكن حتى مع انخفاض هذا الأسعار النفطية فإن المملكة يمكنها تحمل انخفاض أسعار النفط دون أن تتأثر بشدة، حيث إن الميزانية مبنية على سعر نفط متحفظ بمقدار 50 دولارا للبرميل، فحتى مع انخفاض السعر نتيجة توقعات بانخفاض الطلب على النفط الناتج من الركود الاقتصادي المتوقع إلا أن هذا السعر مازال يعبر عن فوائض في الإيرادات النفطية.

ولكن لماذا انهارت الأسواق المالية لدينا، ذلك ناتج من الهلع والخوف الذي أصاب المستثمرين وتوقف المسؤولون في مؤسسة النقد والبنوك عن الإفصاح أو شرح ما يحدث في الأسواق العالمية وتأثيره على أسواقنا والتزامهم بالصمت المطبق غير المبرر في أول يومين بعد افتتاح السوق عطلة العيد، مما زاد حالة الهلع وتلاشي الثقة في الاقتصاد.

وكيلة قسم الاقتصاد - جامعة الملك سعود


nayousef@ksu.edu.sa

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد