* في فجر اليوم الثاني من العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وقد دخلت في سبات عميق، قطع علي الجوال حلاوة النوم، إذ هاتفني صديق من بعيد وهو بين جاد وساخر. لم أتبين صوته في البداية عندما راح يقول لي: أبشر يا صديقي، (ميكي ماوس) راح في داهية.

* قلت: من هو (ميكي ماوس) هذا..؟

* قال: ما غيره. انتهى. قل عليه السلام.

* قلت: وعليك السلام أنت كذلك. من هو ؟ وكيف انتهى ؟ أنا لا أفهم شيئاً..!

* قال: أنت أكيد نائم، وأيضاً: غير متابع لبرامج الفتاوى الفضائية، وتكتب في الصحف وأنت لا تعرف ما يدور حولك..!

* قلت: صحيح. أنا كنت نائماً حتى أيقظتني. بل أنا نصف نائم ونصف صاح. ما الأمر..؟ ما القصة..؟

* قال: (ميكي ماوس)، مهدد بالقتل، نتيجة فتوى فضائية من شيخ سوري (مستثمر في السعودية) مساء البارحة. ألم تسمع بهذا..؟

* قلت: أوه.. الآن فهمت. مساء البارحة.. مساء البارحة، تابعت تقريراً عن تفجير فندق (ماريوت في إسلام أباد) بالباكستان. أكيد (ميكي ماوس) هذا، واحد من الإرهابيين الذين فجروا الفندق، وسفكوا دماء الأبرياء. حسبي الله عليه. هذا الشيخ الذي أصدر هذه الفتوى في هذا الإرهابي اللعين، مسدد إن شاء الله. وفقه الله وأكثر من أمثاله.

* سمعت مهاتفي يكتم ضحكة مخنوقة، ثم يقول بعدها: لا.. تفجير الفندق بعيد عن هذا الموضوع يا أخي. اصح.

* قلت: عفواً.. باكستان بعيدة عنا. هو إذن واحد من أولئك القتلة الدمويين، الذين استهدفوا سفارة الولايات المتحدة في صنعاء قبل ذلك. اللهم أهلكه وأهلك من هو على منهجه في التكفير والتفجير والقتل والتدمير.

* قال وقد قهقه ضاحكاً: ألم أقل لك إنك نائم ؟! وتقول بأنك نصف نائم ونصف صاح. بل أنت نائم بالمرة، ولا تدري عما حولك..!

* قلت: إذا لم يكن أحد الإرهابيين الذين فجروا في فندق الماريوت في الباكستان، ولا هو أحد عناصر استهداف السفارة الأمريكية في صنعاء، فهو بكل تأكيد إرهابي عريق، ربما هو قائد (غزوة منهاتن المباركة)، كما يطلق عليها صحويو هذا العصر..! أو هو واحد من خلايا تفجيرات العاصمة الرياض التي وقعت في (2003م) و(2004م) وما بعدهما. أو هو من خلية الاعتداءات والخطف التي شهدتها الخبر في مايو 2004م.

* قلت، وأنا أسمعه يتمتم بكلام لم أفهمه: هذا الشيخ الموفق، يعيش داخل المملكة أيها الصديق أليس كذلك..؟

* قال: نعم.. نعم. يعيش داخل المملكة. أجل في المريخ. ولكن...

* قبل أن يكمل حديثه الذي بدا وكأنه قد غضب مني، رحت أقول مسترسلاً: يا أخي الكريم. فتوى بحجم إهدار دم إنسان، ليست بالأمر الهين، ولا تصدر إلا عن بينة وجرم كبير من طرف المهدر دمه، وبما أن أكبر جرم نواجهه في بلادنا، هو الإرهاب بشتى صوره، من تكفير، وعمالة للقاعدة، واستهداف للمنشآت والأرواح البريئة، ف(ميكي ماوس) هذا، بكل تأكيد، هو واحد من الإرهابيين الذين عاثوا فساداً في بلادنا، والشيخ السوري (المستثمر عندنا) - زاده الله من هذا النعيم - يعرفه جيداً دون شك، وهو يستشعر مسؤوليته بحكم حياته في بلاد احترمته ووثقت به، فأقل شيء يقدمه حيال ذلك، هو المساهمة بدرء الخطر عن وطن يستثمر فيه، ومجتمع يعيش في كنفه، والخطر الذي ظل هو وغيره من المشايخ الفضلاء يحذرونا منه، هو تلك الأفكار الضالة المستوردة، والإرهاب القادم إلينا من خارج حدودنا، وبما أن هذا الإرهابي الذي ذكرت اسمه أجنبي على ما سمعت منك (ميكي ماوس).. أليس كذلك..؟

* تدخل بصوت مرتفع وهو ثائر وقال: ما هذا الذي أسمع. نعم هو اسم غير عربي لكن...

* قاطعته وقد استويت في جلستي وقلت: حسناً: هو إذن إرهابي مستورد.. معلب أو مقرطس لا فرق. (مستر ميكي ماوس). نعم.. نعم.. مستورد.. إرهابي مستورد..! أليس كل ما بين أيدينا مستورد..؟ الرز والسكر والشاي والدواء والحذاء ووووو. يا أخي: هذا بكل تأكيد، إرهابي ليس عادي. من المؤكد أنه قاد خلية إرهابية، أو أسهم في التفجير والقتل، وإذا صدرت فتوى بقتله وإعدامه، فهذا هو جزاؤه وهو حقنا الذي ننتظره منذ سنوات طوال، وهذا المفتي الفضائي يا عزيزي، فعل خيراً والله، لأنه أحس بخطر الإرهاب، وشعر بعظم مسؤوليته كرجل دين، يجب عليه أن يدافع عن حياض وطنه الثاني، وهو أول من يتعرض للإرهاب والإرهابيين بهكذا موقف حازم وصادق حسب علمي.

* ظل صديقي يتكلم وأنا من شدة انفعالي وفرحي - ربما - بالفتوى وصاحبها، لا أعيره سمعاً، ولا أدري ما يقول، حتى انفجر غضبه دقات عنيفة على سماعة الجوال وهو يردد: قف.. قف.. اسكت من فضلك. اسمعني دقيقة ثم قل ما شئت بعد ذلك.

* قلت: هات.. ماذا لديك..؟

* قال: (ميكي ماوس) يا هذا، ليس إنساناً حتى يكون إرهابياً أو تكفيرياً أو قائد خلية تفجيرية.

* قلت: يا الله.. يا الله..! هذي أكبر. هو جني إذن.. نحن نواجه إرهاباً من الجن، وهذا واحد منهم يستهدفنا..! أنا قرأت عدة كتب عن الجن، وكان أحد المؤلفين قد أثبت أنه يتعامل معهم، ومؤلف آخر قال بأنه أجرى لقاءً صحافياً مع جني، وكتب الجن تملأ أرفف المكتبات، وهناك مشايخ متخصصون في ملاحقة الجن في أجساد الناس وضربهم وإخراجهم بالقوة الجبرية وحرقهم.. اللهم أحرق هذا الجني الذي يريد تدريب أبنائنا على الإرهاب.. ووووو



* قاطعني مرة أخرى صارخاً وهو يقول: اسمع.. اسمع.. هو ليس بجني. صاحبنا الذي اسمه (ميكي ماوس)، فأر.. نعم فأر.. هل سمعت..؟! ليس فأراً من تلك التي تمشي وتقرض وتؤذي، ولكنه فأر كرتوني ساخر ضاحك، يسبح في فضاءات الكرة الأرضية، ويتحدث بكل لغات العالم، ويضحك لكل العالم، وعلى كل العالم.. هل فهمت..؟!!

* قلت: يا الله.. يا لهذا العجب..! فأر.. وكرتوني أيضاً، ثم توقظني من منامي، من أجل فأر كرتوني فضائي حقير..!!

* ثم قلت في غضب هذه المرة: أجبني أنت، كيف بفتوى خطيرة كهذه، تجد طريقها إلى فأر كرتوني، وتتجاهل الذين يكفرون ويفجرون ويقتلون وينشرون الإرهاب في أرض الله..؟!!

* قال وهو يودعني في شبه حزن: سامحني يا صديقي. ما قصدت إيذاءك، ولكنه (ميكي ماوس)، مضحك أطفال العالم وملهيهم.

* قلت وأنا جد حزين: سامحك الله أيها الصديق المزعج. وهل هناك إيذاء أعظم من هذا الذي يجري..؟!!