Al Jazirah NewsPaper Friday  10/10/2008 G Issue 13161
الجمعة 11 شوال 1429   العدد  13161
خسارة أكثر من (2000) متر مكعب يوميا
الثروة المائية تذهب هدرا في محطة معالجة الصرف الصحي بالمجمعة

تحقيق وتصوير - إبراهيم بن عبد الله الروساء:

كانت محافظة المجمعة في وقت سابق تعتمد كغيرها من مدن المملكة في عمليات الصرف الصحي للنفايات السائلة عن طريق استخدام صهاريج نقل مياه الصرف لتصريفها بعيداً عن المناطق السكانية أو عن طريق الحُفر الامتصاصية، ولكن ومع التطور التقني والعلمي والحضاري الذي تشهده محافظات المملكة بحيث لم تكن الأعمال التقليدية كافية لمواجهة التوسع العمراني والنمو السكاني، صدرت توجيهات حكومتنا الرشيدة نحو سن نظام معالجة مياه للصرف الصحي وإعادة استخدامها ومن ثم الاستفادة منها على النحو الصحيح والسليم، فنشأت بذلك شبكات الصرف الصحي العامة وبناء محطات ووحدات معالجة مياه الصرف الصحي حيث تهدف إلى التخلص من مخلفات المياه في شبكة الصرف الصحي العامة، إضافة إلى تحقيق مستويات آمنة لإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالَجة في مجالات الري الزراعي، وري الحدائق العامة، وتغذية المياه الجوفية، وفي الأغراض الصناعية. إضافة إلى تحقيق درجةٍ كافيةٍ من الحماية الصحية للآثار الناجمة عن التلوث وانتقال الأمراض من خلال التحكم في نوعية مياه الصرف الصحي المعالَجَة، وتنظيم مراقبة محطات معالجة مياه الصرف الصحي. إضافة إلى ضمان الاستفادة القصوى من المياه المعالجَة باعتبارها أحد المصادر غير التقليدية للمياه. لكن ما يحدث في محطة معالجة مياه الصرف الصحي بمحافظة المجمعة غير ذلك، حيث رصدت عدسة (الجزيرة) صوراً لمستنقعات من المياه بجوار المحطة حيث تقوم المحطة بإفراغ المياه المعالجة آلياً إلى الخارج فكونت بحيرات من المياه الراكدة وأصبحت موئلاً للحشرات والبعوض وإلحاق الضرر بالبيئة وبقاطني تلك المنطقة.

أضرار على المواشي

(الجزيرة) التقت بعدد من أصحاب الماشية الذين يقطنون في تلك المنطقة حيث عبر زيد مزيد أحد مربي الإبل في تلك الناحية عن شديد امتعاضه من الحالة التي وصل إليها المكان، حيث يذكر أن إبله قد تضررت من هذه المستنقعات ويتمنى أن يتغير الوضع للأفضل وتخلو المنطقة من آثار هذه المستنقعات وتعود الأرض كما كانت عليه، أما هجاج الهفتة وهو أحد مربي الأغنام يقول: إنه وبسبب هذه المياه الراكدة لم نستطع أن نخرج أغنامنا لترعى بل جعلناها في الشبك داخل الأحواش وقال إن هذه المياه قد كلفت الدولة ملايين الريالات ليستفاد منها، ولكن هنا نجدها تهدر ولا نعلم ما هو السبب. إضافة إلى ما تسببه من تأثير على البيئة ومرتاديها.

بخيت المطيري أحد مرتادي المنطقة القريبة من مياه المستنقعات يستغرب كيف تهدر المياه يومياً بمعدلات عالية جداً حيث إن الزائر لتلك المنطقة (والحديث لبخيت) يلاحظ كمية المياه التي كونت بسببها أودية لجريانها المستمر جعلت من المنطقة بحيرات ذات نطاق واسع وهنا مكمن الخطر سواءً للبشر أو الماشية أو البيئة فالبشر تؤثر فيهم الروائح الكريهة المنبعثة من المخلفات السائلة والتي تسبب فساد العشب والبيئة.

ولمزيد من التفاصيل التقت (الجزيرة) بمدير فرع المياه بمحافظة المجمعة: عبد الله بن عبد الرحمن الشيحة الذي قال: إن مشروع محطة معالجة المياه بالمجمعة مشروع حيوي وقد هيئ ليستوعب مياه الصرف الصحي، وأن مهام مصلحة المياه تقف عند معالجة المياه في المحطة وأضاف أن العمل ما زال جاريا لاستلام المحطة بشكل كامل. وعن الكمية الاستيعابية التي تعالجها المحطة الآن قال الشيحة إنها حوالي 3500 متر مكعب يومياً وأن الطاقة التشغيلية للمحطة في الوقت الحاضر ما بين 2000 متر مكعب إلى 2500 متر مكعب.

وبقياس هذا المعدل على صهاريج نقل المياه سعة (17) مترا مكعبا نجد أنه يعادل ما يقارب من (115) شاحنة صهريج يومياً.

عدسة (الجزيرة) تجولت في المكان ولاحظت وجود أكوام سوداء وتبين أنها (الحمأة) التي تستخرج من النفايات السائلة من الصرف وعن الحمأة وأضرارها البيئية تحدث ل(الجزيرة) الدكتور المهندس عبد الرزاق محمد سعيد التركماني المتخصص في هندسة البيئة ومعالجة المياه الملوثة فقال: يطلق تعبير الحمأة (Sludge) على المواد شبة الصلبة المتبقية والناتجة عن عمليات معالجة مياه المجاري المعاشية أو الصناعية. وعندما يتم حجز مياه الصرف الخام ضمن حوض ترسيب فإن حوالي 50 % من المواد الصلبة المعلقة سوف تترسب خلال ساعة ونصف تقريبا. هذه المواد المترسبة يطلق عليها الحمأة الخام أو الحماة الأولية (Primary Sludge) وتتصف هذه الحمأة بلونها الرمادي وبسرعة تعفنها وإطلاقها للروائح الكريهة جدا). ويتراوح تركيز المواد الصلبة ضمن محتوى الحمأة الأولية بين 4 و 8 %.

أما الحمأة (الراسب الطيني) الناتجة عن ترسيب مياه الصرف الخارجة من أحواض المعالجة البيولوجية فيطلق عليها بالحمأة الثانوية (Secondary Sludge). ويكون لونها بنيًّا مسودًّا وليس لها رائحة مقارنة مع الحمأة الأولية وتركيز المواد الصلبة ضمنها بين 0.5 - 1.5 %. حيث تحتوي الحمأة على المواد العضوية وعلى كميات مهمة من المغذيات كالنتروجين، والفوسفور،...الخ بالإضافة إلى آثار من المعادن الثقيلة (مثل الكادميوم) وبعض الملوثات الأخرى. كما أن الحمأة تحتوي على الكائنات الممرضة من بكتريا وفيروسات وبيوض الديدان، مما تشكل خطراً على الصحة العامة عند طرحها مباشرة للطبيعة من دون معالجة.

وعن نشر هذه الحمأة على الأرض من دون وقاية قال المهندس عبد الرزاق: عند صرف هذه الحمأة إلى الأراضي وخصوصاً الخام منها فإن انتشار الأمراض سيصبح أمراً واقعاً مثل السالمونيلا والدودة الشريطية كما أن وجودها سيشكل حافزاً لتكاثر الحشرات الضارة والبعوض التي تنقل الأمراض للبشر. ولهذا السبب فإنه من الضرورة بمكان معالجة الحمأة قبل إعادة طرحها أو استخدامها كمحسّن تربة وهذا يعد خطوة في اتجاه المحافظة على البيئة وحماية للصحة العامة.

المشروع وصحة البيئة

وعن حيوية هذه المشاريع وأهمية وجودها استغلال طاقاتها للعمل على خدمة وصحة البيئة تحدث لـ(الجزيرة) المهندس بدر بن ناصر الحمدان مدير بلدية محافظة المجمعة وقال: قبل إنشاء أي مشروع يعنى بمعالجة الصرف الصحي يجب أن يُدرس بصورة متكاملة تشمل مرحلة تجميع المياه ومعالجتها وطريقة التخلص منها وفق المواصفات الهندسية لرفع كفاءة الاستفادة منها والتقليل من حجم المخرجات ذات التأثير البيئي على المحيط لأن الهدف من محطات المعالجة ليس التخلص من المياه فقط بل والاستفادة منها بصورة متكاملة وذلك لتحقيق الهدف العملي من هذه المحطات وإلا فإن كفاءة التشغيل ستكون منخفضة. لذا فمن الأهمية أن تكون مراحل تجميع ومعالجة وتدوير هذه المياه متكاملة وإلا سوف نواجه مشاكل في التخلص من هذه المياه ومن الحماة الناتجة منها.

وعن مسؤولية هذه المرافق وخدماتها قال الحمدان: هذه دائما مسؤولية الجهة التي تقوم بإنشاء هذه المحطات وتشغيلها لأن نجاح أي مشروع يعتمد على التوازن بين المدخلات والمخرجات وهذا هو الأهم وعلى مدار السنوات سوف نجد أنفسنا في مواجه مشكلة بيئية كبيرة يصعب حلها أو التغلب عليها خاصة أن البيئة المحيطة ستكون الخاسر الأكبر وعن التجارب العالمية في مجال الاستفادة من المياه المعالجة أوضح المهندس الحمدان أنه وعلى مستوى العالم فإن الاستفادة من المياه المعالجة تمثل 60% للاستخدامات الزراعية و30% للاستخدامات الصناعية و10% تحقن في المياه الجوفية. وتشير بعض المعلومات المحدودة الخاصة بتكاليف معالجة مياه الصرف الصحي للأغراض الزراعية في بعض دول الشرق الأوسط إلى أن تكلفة المعالجة تتراوح ما بين (66) هللة إلى (1.61) ريال للمتر المكعب، وأضاف الحمدان أنه ومن خلال موقعنا في البلديات فإننا نأمل أن تكون مشاريع محطات الصرف الصحي مشاريع متكاملة تشمل آلية التخلص من المياه وتكريرها والتخلص من المخرجات مثل الحماة وغيرها حتى يكون هناك ضمان حقيقي لدرء المضار البيئية مستقبلا.

وعن إيجاد حلول جذرية ونهائية لهذه المشكلة تحدث لـ(الجزيرة) فهد أحمد الثميري وقال: من الأهمية بمكان وجود خطوط مياه راجعة من محطة الصرف الصحي رجوعاً للمحافظة ليستفاد منها في سقيا الحدائق والمتنزهات، وحفظ المياه بخزانات لخزن المياه العائدة من خطوط المياه المعالجة. علماً بأن المنتزه الوطني الكبير الذي سيقام بالقرب من المحطة يحتاج إلى مياه سقيا وتغذية فلماذا لا تقوم المحطة بتمديد مياه راجعة من المحطة لهذا المنتزه بعد الفلترة. ومستفهماً في النهاية إلى إمكانية خزن هذه المياه في سد المجمعة حيث ستكون مستودعاً للمياه، وستؤدي طبقة الطمي دور التنقية النهائية. وأضاف أن محافظة المجمعة تعاني من شح في المياه - كما هو الحال في معظم مناطق المملكة - وهذا مما يستدعي الاستفادة من ناتج مياه الصرف الصحي المعالجة وذلك بإلزام المقاولين بالاستفادة من هذه المياه.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد