بين قصاصاتي الصغيرة المنزوية وجدت رقم هاتفها وكنت قد افتقدته لسنوات.., مارجريت زميلة الدراسة الأمريكية الوحيدة التي كانت كلما تحركت في ردهات الجامعة تتبعني إلى أن توطدت بها الرفقة فأهدتني صورة لمزرعة الخيول الفارهة التي امتدت لتسعة كيلوات لم أعد أتذكر عددها تملكها أسرتها باذخة الثراء.., تجوب فيها خيول عربية أصيلة ذات سلالات يتناحر من أجل اقتنائها الأثرياء.., قلت لها وأنا أتبسم قبل ثلاثة عقود لا يا (مارجي) لا أملك منها شيئا.., ربما كان علي حينذاك أن أخبرها أن رحلتي نحو اقتناء بضعة أمتار أنشئ عليها بعض حجرات تلمني وأسرتي الصغيرة جدا جدا كان حلما فكيف أحلم باقتناء حصان عربي يحتاج لمساحة من الأرض أشسع مما نحتاج..؟
كانت مارجريت من الذين يظنون أن القادم إليهم من الصحراء تقطر أطرافه نفطاً.., لكنها من الثراء ما جعلها لا تعير التفكير في أمر مثل هذا أدنى التفاتة وإنما جاء سؤالها عن ثقافة متراكمة ليس إلا..,
حين وجدت رقمها هاتفتها فإذا به يوم أحد وإذا بها في زيارة لمملكة أبيها وأسرتها أما هي فقد نزلت (إلينوي) بعيدا عنهم.., وتأتي الصدفة الجميلة أنها في تلك اللحظة كانت على ظهر أحد الأحصنة العربية التي في مزرعتهم..,.., عادت بيننا المهاتفات غير أنها تعثرت قبل أيام.., مارجريت حزينة فأحد أهم شخصيات عائلتها قد أصيب بذبحة نتيجة انهيار الاقتصاد الأمريكي.., وحالة الوجوم والحزن والاضطراب تعم مساحات الخضرة وتنعكس على نبض الجياد.., على الرغم من أنها تؤكد بأن رأس مال العائلة لا يزال يقف في وجه الريح.., وبأنهم لن يضطروا كغيرهم لوضع لافتات البيع أو الإعلان عنه على أحد متاجرهم أو مزارعهم أو أملاكهم.., لكن المؤشر يطرق أبوابهم بقوة..,
تذكرت ما قاله حكيمنا من الشعراء: (لكل شيء إذا ما تم نقصان).., ذلك التمام القائم على الفجوات والثقوب..,
لا أنكر تعاطفي مع مارجريت لأنني كنت أعرفها جادة وذات قيم.., لكنني تخيلت فقط كيف هم وحدهم السعداء أولئك الفقراء الذين ينامون ولا ما يشغل بالهم من أرصدة يفكرون في ازديادها أو أراض يحلمون بامتدادها..,
لكنني لا أنسى أن أسأل ترى ألا تزال مارجريت تفكر في أن أهل النفط وحدهم من ستؤول إليهم مفاتيح القوة..؟
في حين لا أزال أؤمن بأن أسعد الناس هم الفقراء فلا كانوا مع قوة ولن يهوي بهم جناح حلم..,