Al Jazirah NewsPaper Friday  10/10/2008 G Issue 13161
الجمعة 11 شوال 1429   العدد  13161
مصطلحات ومفاهيم
العقل الجمعيّ وفلسفة نظرية (القطيع)

من المعلوم أنّ الجماعة تعدّ من الضاغطات الاجتماعية القوية. وبالطبع سيكون مردود الضغط سلبياً بشكل خاص عندما تكون الجماعة منحرفة عن الحق.

وقد برز مصطلح (العقل الجمعي) مؤخراً وهو يعني انصياع الفرد لما تردده الجماعة حتى ولو لم يكن على قناعة تامّة به، عقلاً سلبياً في مردوده على الفرد، وإن كان إيجابياً في مردوده على الجماعة. ففي بعض الدراسات يعبّر عن شريحة العقل الجمعيّ ب(الجمهور النفسي) وهو كائنات مؤقتة منصاعة تسير خلف الآخرين، وقد يعبّر عن الشعور بالقوّة، لكن صفات الجماعة هي التي تنعكس فيه، وليس صفات الفرد.

تخيل نفسك وأنت تشارك في تظاهرة، سترى أنّك لا تتصرّف كشخصية مستقلة وإنّما كجزء من جماعة.

ولهذا السبب نفهم لماذا طالب الله سبحانه وتعالى الذين اتهموا حبيبنا محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجنون أن ينفكوا عن الجماعة، ويتحاور كلّ اثنين مع بعضهم البعض، أو كلّ فرد يخلو إلى نفسه فيحاورها، ليروا مدى صحّة هذا الاتهام أو بطلانه:{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ}. فالعقل الجمعي لا يعطي الفرصة في استقلالية التفكير، وتكوين القناعة الشخصية).

وعلى هذا أيضاً، فإنّ تنمية الثقة بالنفس والقدرة على صنع القرار واتخاذ الاختيار المناسب، تعدّ عاملاً مهماً من عوامل مواجهة الضغوط فحتى لو هتف الناس بأنّك ضعيف، وأنت تشعر بالقوّة من خلال امتلاكك لأدواتها، فيجب أن يطغى شعورك بالقوة على هتافهم بضعفك وفي هذا يقول ابن مسعود: (الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك، إنّ معرفتك بقدر نفسك تساعدك كثيراً في عدم الاهتزاز أمام الضغوط التي تمارس ضدّك.

حاذر من الانسياق إلى المقولات التافهة من جنس:

- (لا أستطيع السيطرة على نفسي، الظروف أقوى منِّي).

- (إذا لم أفعل ذلك فسيظنّون بي الظنون، أو يسخرون منِّي).

فهذه المقولات معاول تهدّم صرح ثقتك بنفسك، وتهدّ بنيان مقاومتك، وتقوّض قراراتك واختياراتك.

فهل تعتقد أنّ النبيّ نوحاً (عليه السلام) كان يمكن أن ينجز التكليف الإلهيّ ببناء السفينة لينقذ خيرة الناس من المؤمنين، لو انهار أمام سخريّة الذين كانوا يمرّون عليه وهو يبنيها وهم يضحكون من عمله ويستخفّون به؟

فإذا اقتنعت بصلاح عمل فلا تعر أذناً صاغية لكلام الناس، وإذا اقتنعت ببطلان عمل فلا تهتم بما يدّعون من أنّه صالح، أو يجب الأخذ به، فهم لا ينطلقون دائماً من حجّة دامغة أو برهان ساطع أو دليل قاطع، بل كثيراً ما يطلقون الكلام على عواهنه.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد