من العجيب أن المرأة تتجرع الألم أثناء الحمل والولادة وتعاني من ولدها الذي آذاها تسعة أشهر في بطنها فإذا ولدته تكون أكثر حباً له وأشد عطفاً عليه من أي شخص آخر حتى من أبيه!
وهكذا الحياة قد يولد الحب فيها من رحم المعاناة، فقد يعيش الزوجان حالة من الشقاق والبعد فيمكث كل واحد منهما في مملكته الخاصة به ولا يلتقيان في طباع أو فكر أو مائدة! ويزداد حجم المعاناة بينهما حتى إذا سل الدهر سيفه على أحدهما بمرض أو حاجة انكسرت حجرة المعاناة في قلب الآخر فنبعت منه ينابيع الوصل الصافية الرقراقة فإذا هو يعفو ويغفر ويبحث عن نقاط الخير وينسى نقاط السوء التي في خليله. وأنت لو جربت نفسك في خوض مشروع صعب نظراً لإمكاناتك المحدودة، وقال الناس لك: مستحيل أن تقوم به، ثم لم يثنك ذلك الكلام من أن تغامر مع نفسك، وأن تكسر قيود عوائقك بعزمك، ثم ركبت لجة التحدي فأنجزت مهمتك، فسوف تجد لذة نجاحك عند أول قدم تضعها على شاطئ همتك وستجد أن حبك لنفسك يكبر بحجم المعاناة التي كانت في أول المشروع. والحقيقة التي ينبغي أن تقال: إن اللذة الحاصلة بعد ذلك العناء تنسيك ذلك العناء نفسه من جهة، وتزيد من محبة الشيء المحقق من جهة أخرى وكما قالوا: وبضدها تتميز الأشياء.
فهل حلاوة بر أبنائك لك تعدل عناءك بتربيتهم؟ لا، فلذَّة وصلهم أحب، وهل لذة الأم بطفلها يساوي شقاءها بحمله؟ كلا، فابنها قطعة من القلب.
وللاستفادة من هذه الحقيقة أقول لنفسي وإخواني: إن تمسك المسلم بدينه وخلقه ومبادئه في زمن يعج بالفتن واللهو والانفتاح غير المرضي أمر عسير وكما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالقبض على الجمر، وأظن مما يخففه: تخيل الإنسان مقدار الفرح الذي يجده عند أول قدم يضعها في الجنة بعد رحلة العناء الطويلة وذلك عندما ينتهي التاريخ وقد فاز فوزاً عظيماً. هل تخيلت ذلك؟
محمد عبد الله العبد الهادي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
aboanus@hotmail.com