Al Jazirah NewsPaper Friday  10/10/2008 G Issue 13161
الجمعة 11 شوال 1429   العدد  13161
فجر قريب
ذوقيات غائبة
د.خالد بن صالح المنيف

من العلامات الفارقة التي تميزنا السرعة الفائقة، بل (المتهورة) التي نقضيها في تناول الطعام ولو كان هناك مسابقة عالمية في سرعة الأكل لسجل الرقم العالمي باسمنا ولا شك!!

ويا ليت تلك العجلة تهدف للحفاظ على الوقت أو لإنجاز أكبر قدر من المهام في اليوم قد سلكنا بها سبيل ابن عقيل رحمه الله واقتفينا أثره عندما قال: (وأنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي حتى اختار سف الكعك وتحسيه بالماء على الخبز، لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، توفراً على مطالعة أو تسطير فائدة لم أدركها) ولكن الإشكالية أنها مجرد عادة سيئة لا أكثر! وقد حكى لي أحدهم أنه في كثير من الأحيان عندما تضع والدته الطعام (وزوجته لاحقاً) على المائدة، ثم تذهب لإحضار شيء من المطبخ فبمجرد عودتها بعد دقائق معدودة تكون الأطباق قد مسحت وصارت قاعاً صفصفاً!

لذا أنصح كل زوجه بألا تضع الطعام إلا بعد أن تتأكد وبنسبة 100% أن المائدة اكتملت تماماً, وألا تتهور وتدعو أفراد العائلة قبل اكتمال المائدة, وعلى النقيض تجد الشعب الأنيق الفرنسي يقضي ساعات طوال على الوجبة، حيث الاستمتاع بكل لقمة وبكل رشفة والأكل لديهم بناء على مراسيم وطقوس وبرتوكولات جميلة ووفق ترتيب لطيف ناعم, فاحتساء الشوربة فقط لربما استغرق أكثر من ساعة!! والوجبة عندهم ليست مجرد أكل أبداً، فالعقود تبرم على الوجبات والمشاكل المستعصية تحل عليها وبعضهم لربما صنع أجواء رومانسية حالمة على سفرة الطعام.

وبالمناسبة فالفرنسيون لا يقدمون على تناول الوجبات إلا حال وجود الرغبة التامة، كما أن الفرنسيين لا يتناولون الطعام إلا في المطاعم أو على موائد الأكل بعكسنا للأسف, فلا تستغرب إن رأيت أحدنا يلتهم الساندويتش في سيارته! ولا يستنكر من بعض الرجال التسلل للمطبخ والهجوم على قدر الرز وهو لا يزال يطبخ! وأمر طبيعي جداً أن تلاحظ بقايا الأكل في إحدى غرف النوم! وهو ما يعده الفرنسيون أمراً همجياً وغير متحضر! ومن الملاحظات في هذا الشأن التي تنم عن ضعف في الإحساس بالآخرين وعدم تفهم لمشاعرهم تلك الأوامر التي لا حصر لها من قبل الأب لأولاده وزوجته أثناء تناول الطعام، فتجده متربعاً كالإمبراطور الحاكم بأمره وبينما الصغير (المتضور جوعاً) قد شرع في الأكل وبدا يستطعمه وإذا بوابل الأوامر ينهال من الأب (شطة - ملح - ثلج- ببيسي - وغيرها من الأوامر)، فتجد العائلة بين روحة وجيئة لخدمة هذا الأب حتى ان الوجبة تصبح حملاً ثقيلاً وهمّاً عظيما!

* وبعض الآباء الذي لا يراه أبناؤه إلا أثناء وجبة الغداء تراه يتقمص دور (المحقق والقاضي والشرطي) في وقت واحد حينها وتجده يحضر بنفسية متأزمة وروح ضيقة وبقلب أقسى من الحديد ولسان أحدّ من السيف، منتفخ الأوداج مكشر الأنياب ويمضي وقت الغداء وهو يسرد الملاحظات والانتقادات، فتجده راصدا للعثرات وعاداً للأنفاس ومتعقباً للسقطات ومضخماً للأخطاء (ليه المكيف مفتوح؟ وليه ما طفيتوا اللمبات؟ وليه درجاتك ضعيفة؟ وعقالي من ضيعه؟) وألف ملاحظة وملاحظة! قُضيت الجلسة بوعيد يكسر العظام وترتعد له الفرائص وقد حجب عنهم ابتسامته وضن عليهم بحنانه وستر عنهم خيره وبمجرد أن ينتهي وقد تمددت أضلاعه من الشبع لا تجده أزجى شكراً لزوجته أو نشر جميلها مبرزاً صفحة الوقاحة وخالعاً جلباب الذوق!

* فلماذا لا نتعلم من الفرنسيين؟ أليست الحكمة ضالتنا؟!

وأيسر منهم درباً وأصفى نبعاً وأجمل طبعاً وأكمل خلقاً في سلوكيات حبيبنا اللهم صلّ وسلم عليه.. فالله الله في سيرته.

* (سيكون حديثي الأسبوع القادم بإذن الله عن عجائب البوفيهات!..تابعون)

ابتسم

مرَّ طُفَيْليّ بقوم يأكلون فقال لهم: ما تأكلون؟؟ فقالوا:

نأكل سمًّا! فأجاب الطفيليّ: لا خير في الحياة بعدكم!! وقام يأكل معهم.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7515» ثم أرسلها إلى الكود 82244



khalids225@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد