د. حسن الشقطي(*)
أغلق سوق الأسهم المحلي هذا الأسبوع عند 6161 نقطة خاسراً حوالي 1298 نقطة خلال ثلاثة أيام تداول فقط، وذلك تزامناً مع الخسائر الكبيرة التي شهدتها معظم بورصات العالم.. فقد تطورت الأزمة المالية العالمية تطوراً مثيراً رغم إقرار خطة الإنقاذ الأمريكية.. ويبدو أن الجميع باتوا متيقنين بأن الأزمة أكثر اتساعاً وأكبر من نطاق الاقتصاد الأمريكي بشكل لا يمكن معه محاصرتها بضخ سيولة بقيمة 700 مليار دولار فقط.. فقد خرجت المخاوف الأوروبية من شرنقتها وبدأت أسواقها تنزف نزيفاً غير معهود ورغم تردد حكوماتها في صياغة خطط إنقاذ خاصة بها.. إلا أن إعلانات فردية متعددة جاءت من مؤسسات مالية أوروبية باتت تشير إلى احتمال تعرض قطاعاتها المالية لذات الأزمة الأمريكية.. باختصار أصبح العالم في مجمله في قلب أزمة مالية واحدة.. حتى خسر مؤشر أسهم العالم خسارة كبيرة أعادته إلى أدنى مستوياته في 4 سنوات.. ووصلت خسائر بورصات العالم الناشئ منذ بداية هذا الشهر إلى أكثر من 20%.. ويبدو أنه لم يكن هناك بد للبورصات الخليجية من التجاوب مع هذه الأزمة، حيث لحقت ببورصات دبي وأبوظبي والكويت والسعودية خسائر فادحة لا مثيل لها.. ورغم خروج البنوك المركزية الخليجية عن صمتها ورغم تصريحاتها المطمئنة واحدة تلو الأخرى، إلا أن النزيف استمر على مدى الأيام الثلاثة الأخيرة.. فلماذا هذه الخسائر الكبيرة.. ولماذا لم يتم إيقاف التداول؟ ألم يكن هذا الإيقاف كفيلاً بإفلات السوق السعودي مثلاً من خسارة 17.4% من قيمته أو ما يقرب من 242 مليار ريال في 3 أيام؟
استجابة البورصات الخليجية للأزمة
أولى هذه الأسباب أن العملات الخليجية مرتبطة رئيسياً بالدولار وهو أصل الأزمة.. ثم لأن الاقتصاديات الخليجية قائمة على الإيرادات النفطية وهي ترتبط بالدولار وهو معرض لأزمة شديدة.. ثم إن قطاعات البتروكيماويات تُعتبر من أكثر القطاعات وأهمها في البورصات الخليجية وهي ترتبط بأسعار النفط.. كما أن غالبية الاستثمارات الأجنبية في البورصات الخليجية تتجه إلى قطاعات خدمية معظمها عقارية تتسبب غالباً في تكوين فقاعات.. أيضاً فإن الأزمة العالمية للرهن يتوقع أن تؤثر على قطاع المصارف الخليجية لأنه مهما كان التطمينات فلا بد من وجود رابط لها بخسائر السوق العالمي.. أما الجانب الأهم فهو ما يرتبط بهشاشة أسواق الأسهم الخليجية حيث إنها لم ترسخ حتى الآن قواعد استثمارية صلبة تحتمل مثل هذه الأزمات، وإنما هي لا تزال ناشئة وحديثة العهد وبالتالي فهي عرضة للاستجابة السريعة والمبالغ فيها لأي أزمة.. ويرتبط بذلك سيطرة النمط المضاربي على هذه الأسواق، وبالتالي تكوينها لفقاعات لا تلبث أن تختفي عند حدوث أزمات شديدة وتخلف وراءها تراجعات هائلة في مستويات الأسعار... لذلك، فإن انفكاك البورصات الخليجية من تلابيب الأزمة العالمية قد يتطلب أولاً انفكاكها من الارتباط بالدولار الذي أصبح يضع أسواقها في أقسى حالات الاستجابة.
تطمينات البنوك
الأمر المُستغرب أن إعلانات نتائج أعمال البنوك المحلية السعودية التي بدأت تطرح مع بداية تداول يوم الاثنين الماضي، والتي جاءت في مجملها تعبر عن نتائج إيجابية، وحاولت بشكل صريح أن توضح على سبيل المثال أن مصرف الراجحي خرج رابحاً في نتائج أعمال استثماراته.. بل إن هذه البنوك أعادت الكَرة في اليوم الثاني وبعد هبوط الـ10% لتعطي تطمينات صريحة بأنها بمعزل عن أزمة الرهن العالمية، وأنها لم تتأثر بها وأعربت عن سلامة أوضاعها المالية.. كل ذلك لم تستطع تهدئة مخاوف المتداولين، بل خسر المؤشر 7% في اليوم التالي، ثم 1.5% في اليوم الثالث.. فلماذا لم تؤثر تطمينات البنوك؟.. بداية لأنها صدرت في وقت زادت فيه الشكوك حول صدقية هذه الإعلانات واعتبرها البعض أنها مجرد تطمينات لأنها صدرت في صباح يوم التداول، وبالتالي في اعتقادي أنها جاءت متأخرة وكان ينبغي أن تصدر قبل ذلك.. ثانياً لأنها جاءت في صياغة تسعى لفرض التفاؤل بدون أن تكتسب المصداقية في الطرح لأنها كانت تركز بشكل واضح على إبراز جوانب إيجابية في حين لم تتعرض لبعض الجوانب الهامة الأخرى.. بل إنها سعت للتركيز على مقارنات بشكل قسري لبث روح التفاؤل.. مثلاً اتجهت للمقارنة بالعام الماضي رغم أن المقارنة بالربع الماضي لم تكن في صالح بعضها.. ثالثاً لأن طريقة الإفصاح اختلفت لأول مرة من بنك لآخر بشكل مبالغ فيه.. فبعضها تحدث عن نتائج الاستثمارات وبعضها تحدث عن مقارنة نتائج التشغيل واختلف البعض الآخر.. أما الأمر المستغرب في خضم أزمة تتحدث عن مخاوف ارتباط استثمارات البنوك المحلية باقتصادات غربية معرضة للانهيار أنه لا يوجد من بين البنوك المحلية بنك واحد أعلن عن حجم استثماراته الخارجية أو نتائج أعماله فيها بشكل صريح.. كافة البنوك لديها استثمارات ولكن الأرقام المعلنة لا تشير إلى نسبة الاستثمارات في الخارج منها.. ورغم الشائعات والمخاوف فلم تعلن أي من هذه البنوك عن الإحصاءات المرتبطة بذلك، وفي اعتقادي أن إعلان البنوك عن هذه الأرقام حتى لو كانت تنطوي على خسائر كان هو الكفيل بتهدئة السوق وبخاصة لو كانت نسبة الخسائر في الحدود المقبولة.
الأطراف المحلية الخاسرة
مخاوف السوق المحلي تتركز في خشية أن يكون هناك أطراف سعودية لحقت بها خسائر جراء الأزمة المالية العالمية.. فالسوق السعودي يتضمن العديد من الأطراف التي تمتلك فوائض مالية تزيد عن حاجتها.. تتمثل هذه الأطراف في البنوك المحلية ثم مؤسسات مالية وغير مالية أخرى ثم رجال أعمال منفردين ثم جهات رسمية مثل ساما وبعض الصناديق الحكومية.. ولعل أبرز الأطراف الأكثر احتمالاً أن تكون لها استثمارات في الخارج هي البنوك المحلية.. فحتى رغم ما يتردد من تصريحات نفي الخسائر عنها، ورغم عدم وجود إحصاءات رسمية عن حجم استثماراتها الخارجية، فإن ضخامة رقم استثماراتها الإجمالية الذي يصل إلى حوالي 331.1 مليار ريال (حسب إحصاءات الربع الثاني من 2008) يخلق شكوكاً خشية ارتباطها بالأزمة العالمية.
مخاوف ظهور أزمة رهن بالأسواق الخليجية
كثير من الاقتصاديات لم تتأثر نتيجة استثمارات مرتبطة بالسوق الأمريكي، ولكن بعضها ظهرت بها ملامح أزمة رهن نتيجة انتشار المخاوف من تعسر أو عدم قدرة الكثير من شرائح المقترضين على السداد.. ولا يوجد دولة لا يوجد بها مقترضون.. ورغم عدم وجود أرقام عن أعداد المقترضين في السوق السعودي مثلاً، إلا إن إحصاءات حجم القروض والسلف المحلية القائمة على الأفراد والمؤسسات لصالح البنوك المحلية تبدو ضخمة ومخيفة، حيث يصل صافي قروض وسلف المصارف المحلية السعودية إلى حوالي 451.9 مليار ريال (حسب إحصاءات الربع الثاني من 2008).
الإفلات من خسارة المؤشر لنحو 1298 نقطة
بالطبع كان يمكن ذلك لو تم إيقاف التداول.. بداية أن خسارة المؤشر كانت متوقعة لأن الأزمة لم تطرأ بين يوم وليلة، ولكنها بدأت منذ بداية الشهر الحالي وبالتالي فإن ما حدث من نزول كان متوقعاً وبالتالي: لماذا لم يتم إيقاف التداول؟.. أما السؤال الأكثر أهمية لماذا لا يتم إيقاف التداول في الأسبوع المقبل؟ إن لسان الحال ليؤكد استمرار الأزمة في الأسبوع المقبل حتى رغم انخفاض حجم الخسائر مع ارتداد سابك المفاجئ في نهاية إغلاق الأربعاء.. كما أن لسان الحال ليقول بأن السوق السعودي لم يستطع امتصاص الأزمة أو تجاوزها حتى الآن.. لذلك، فقد يكون من المناسب التفكير في إيقاف التداول مؤقتاً لبضعة أيام خلال الأسبوع المقبل حتى تتضح الرؤية.. ولعل ما يبرر ذلك أن السوق السعودي لا يكاد يخرج من أزمة تصحيح خسر فيها أكثر من نصف قيمته.. فرحمة بالمتداولين لا يوجد خيار سوى إيقاف التداول حتى تتحسن معطيات الاقتصاد العالمي وتتضح بوادر إتمام خطط الإنقاذ التي على وشك أن تتخذها الأسواق الأوروبية والآسيوية الأخرى.. ثم أيضاً أصبح أمر ضخ سيولة جديدة ليس لسوق الأسهم ولكن للسوق المحلي ككل بشكل يبعث على تعزيز التسهيلات ومن ثم بعث الثقة في سوق الأسهم.
(*) محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com