يحدث أن يقع خلال ممارسة الأعمال وبالذات في مجال القوى العاملة سواء في القطاع الحكومية أو في القطاع الخاص، وسواء للرؤساء الإداريين من رؤساء أقسام أو مديرين أو وكلاء أو لبقية الموظفين بعض المواقف التي تجعلهم في موقف حرج بحيث يصعب على الرؤساء اتخاذ القرار المناسب، وعلى الموظفين التصرف الصائب إلا في حالة توفر الإرادة القوية والتقيد الشديد بالقواعد والأنظمة وإخضاع الحالة للبحث والدراسة الشاملة ومن تلك المواقف ما يلي:
* وقوع افتراء أو وشاية على الموظف الكفء، أو حصول اختلاف بينه وبين أحد حول طريقة أداء العمل أو بسبب خشية أحد رؤسائه من منافسته له أو بسبب خلاف شخصي أو بسبب اجتهاد خاطئ فيؤدي ذلك إلى التأثير على تقرير كفاءته، وذلك بمنحه تقدير كفاءة لا يتناسب مع كفاءة هذا الموظف، أو يرفع للرئيس الأعلى حوله بهدف تشويه سمعته أو بطلب نقله من وظيفته إلى وظيفة أخرى سواء داخل الجهة الإدارية أو إلى إحدى فروعها؛ وذلك دون أن يقوم الرئيس الأعلى بالتأكد من حقيقة الأمر إما بطلب مقابلة ذلك الموظف ومواجهته بما أثير حوله وتمكينه من الدفاع عن نفسه أو بإحالة الموضوع إلى لجنة أو إدارة مختصة بالتحقيق في الموضوع، بما يتمشى مع النهج الإسلامي ومع القواعد الإدارية، فقد يكون ما قيل في هذا الموظف غير صحيح وفي هذا المجال: روي أنه قدم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل قد فقئت عينه وهو يشتكي إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- مما قد أدى إلى تعاطف من كان في مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع ذلك الرجل وطالبوا الرسول بالقصاص من خصمه، لكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحكمته المعهودة وحسه الملهم لم يستعجل في إصدار الحكم والتقرير في القضية إلى أن يحضر الخصم لمعرفة أقواله فقد يكون لديه ما يبرر تصرفه، وعندما تم إحضار الخصم تبين أن الرجل الذي سبق ورفع الدعوى المعتدي وأنه فقأ عيني خصمه وأن عين المعتدي فقئت دفاعاً وليس عدواناً، وبذلك تجلت حكمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحكم والقضاء والإدارة، فهذا الحديث الشريف يتضمن العديد من المبادئ المتعلقة بنشاطات العمل المختلفة بما فيها العمل الإداري وكأنه يطالب الرؤساء الإداريين بعدم الاستعجال في إصدار القرارات قبل سماع وجهات النظر المختلفة وبخاصة في مجال أداء وتقييم الموظفين، وذلك أن أي قرار خاطئ في هذا الصدد قد يؤدي إلى الإضرار بموظف كفء طيلة حياته الوظيفية، إضافة إلى ما يلحق جهة عمله من ضرر بسبب فقدها موظفاً كفئاً بسبب تهم ليست صحيحة.
* قيام أحد المراجعين أو إحدى المؤسسات أو الشركات المتعاملة مع جهة عمل الموظف بتقديم بعض الهدايا للموظف، إما بحسن نية أو بهدف إغرائه: وقد حظرت الشريعة الإسلامية القوانين الوضعية، وذلك كقوله -صلى الله عليه وسلم-: (هدايا العمل غلول) وقوله: (الهدية تذهب بالسمع والقلب والبصر) وقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (إياكم والهدايا فإنها من الرشاء)، والهدف من ذلك هو إبعاد الموظفين عن الشبهات حتى لا يقعوا في الأشد وهو تعاطي الرشوة التي تعتبر جريمة كبيرة ومرضاً اجتماعياً خطيراً، وتؤدي إلى عقوبات مشددة والفصل من الوظيفة وعدم العودة إليها إلا بعد مضي خمس سنوات وبموافقة سامية.
* مراجعة معارف الموظف من ذوي القربى والأصدقاء ونحوهم له في مقر عمله ومطالبته بما يشبه المستحيل: كأن يطلبوا منه مساعدتهم في معاملة معينة مخالفة للأنظمة أو أن يطلبوا منه مساعدتهم في التعيين أو الترقية بتقديمهم على غيرهم ممن هم أكفأ منهم وهم أثناء محاولاتهم يقرنون ذلك بعض الكلمات الرنانة من أجل إغراء الموظف؛ كأن يقولوا له: أنت لك مكانتك في الجهة ونرجو أن ترمي بثقلك في الموضوع، حتى لو لم تكن له تلك المكانة وذلك الثقل، وعلى الموظف ألا يستجيب لهذه المطالب لأن في ذلك قدح في نزاهته وتعرضه للنقد من رؤسائه وزملائه وتراجع الثقة فيه وأن يحاول إقناع مثل هؤلاء المراجعين من أقاربه وأصدقائه بخطأ تصرفهم لكونه مخالفاً للأنظمة المفترض تطبيقها على الجميع بالعدالة والمساواة، فإن اقتنعوا فذلك المطلوب وهو دليل على وعيهم وتفهمهم، وإن لم يقتنعوا فلا يبالي حتى لو أدى ذلك إلى نقدهم له ومقاطعتهم إياه، فسوف تتجلى لهم الحقيقة يوماً إذ لا يصح في الأخير إلا الصحيح.
* توجيه الموظف الجديد إلى أحد الأقسام الذي يتصف بعض موظفيه أو حتى رئيسه بالتسيب في الدوام، أي التأخير في الحضور للدوام، أو الخروج قبل نهايته أو خلاله: وعلى هذا الموظف ألا يجاري هؤلاء في هذه المخالفة الإدارية بل عليه التقيد بوقت الدوام وأن يكون أسوة طيبة لزملائه وفي نفس الوقت يحاول إصلاح زملائه بحثِّهم على الانضباط بالأسلوب المناسب.
* التساؤل الذي يثار أحياناً عن موعد سقوط حق الموظف المادي من رواتب وبدلات أو تعويضات: إذ إن بعض الموظفين قد يتركون الخدمة إما بالاستقالة أو بالتقاعد أو بالغياب، ويكون لهم بعد ترك الخدمة حقوق مالية لدى جهات أعمالهم مثل الراتب الشهري والبدلات أو التعويض عن رصيد الإجازات، وبعد مدة طويلة يراجعون جهات أعمالهم السابقة بطلب صرف تلك الحقوق إلا أنهم يفاجئون برفض جهاتهم صرف تلك الحقوق لمضي المدة النظامية لسقوط حق المطالبة بتلك الحقوق وهي خمس سنوات. والذي يمكن التنويه عنه بهذا الخصوص أن مدة الخمس سنوات المشار إليها وردت في قواعد الإجراءات والمرافعات أمام ديوان المظالم الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (190) في 16-11- 1409هـ فقد قضت بأن حق الموظف لا يسقط إلا بعد مضي خمس سنوات من عدم المطالبة بدون عذر مشروع والذي يجري به العمل في هذا الشأن أن حق الموظف لا يسقط بمجرد انتهاء هذه المدة؛ إذ لم تقم جهة عمل الموظف بإنهاء إجراءات الصرف ومن ثمَّ إشعار الموظف بذلك وأن عليه المراجعة لاستلام حقه، فإذا لم يقم بالمراجعة خلال خمس سنوات بدون عذر مشروع يقتنع به ديوان المظالم عندئذ يسقط حقه فيما يطالب به، وذلك حسب خطاب وزارة المالية رقم (12-24700) في 17-6-1415هـ الموجه لوزارة الخدمة المدنية. إذاً فعلى الجهة الإدارية أن تبادر باتخاذ إجراءات صرف حق الموظف لكونه جزءاً من واجباتها وأن تشعره بأي وسيلة اتصال بذلك دون انتظار مطالبة الموظف بهذا الحق.
* ضرورة توفر الموضوعية عند منح الموظف الإجازة المرضية التي تؤدي إلى انقطاع الموظف عن عمله وفي نفس الوقت تقاضيه راتباً كاملاً إذا كانت إجازته المرضية في حدود ستة أشهر: ويعتبر التقرير الطبي الصادر من أحد المستشفيات الحكومية أو الخاصة أو الهيئة الطبية هو المستند في منح الإجازة المرضية، وبالتالي انقطاعه عن عمله وتقاضيه لراتبه، ولذلك ينبغي أن تتوفر في عملية التقرير الطبي أقصى درجات الأمانة والدقة وأن يكون واقعياً وليس صورياً، فالتقرير الذي يصدر مجاملة يؤدي إلى تعطيل عمل الموظف المعني بالتقرير بدون سبب مشروع، كما يؤدي أيضاً إلى صرف راتب مدة الإجازة له بدون مستند صحيح، وتقع مسؤولية ذلك على الموظف وعلى الجهة التي أصدرت التقرير الطبي، وإذا أصبح هذا الأمر ظاهرة فإنه يدل على وجود تسيب إداري وخلل في المتابعة ونقص في الأمانة وغياب للرقابة الذاتية، ذلك أن من يدعي المرض لكي يعطل مصالح الناس ويتقاضى راتبه بدون وجه حق ومن يجامله في المراكز الصحية عندما يمنحه مثل هذا التقرير يعتبران قد أخلا بالأمانة التي تعتبر من أهم الواجبات الوظيفية، إضافة إلى إخلالهما بتعاليم الدين الحنيف الذي يحث على الصدق والإخلاص والأمانة، وحول ذلك نورد مثالاً من أحد عصورنا الإسلامية المشرقة يدل على الإخلاص في المعاملة والصدق في القول والأمانة في العمل والرقابة على الذات: فقد رُوي أن أحد القضاة في عهد هارون الرشيد تغيّب عن عمل القضاء لمدة خمسة عشر يوماً بسبب مرضه فقام القاضي ببعض مائة درهم إلى أحد موظفي الخليفة مقابل تلك المدة لكونه لم يؤدِ خلالها العمل على الرغم من صحة عذر الغياب وعدم علم الخليفة أو أحد عماله بغيابه، إلا أن الرقابة الذاتية هي التي قادته لهذا التصرف، كما هو شأن سلفنا الصالح.
asunaidi@mcs.gov.sa