لا شك أننا معشر الجيل السعودي المعاصر ننعم بالعيش في بلد هو الآن أكبر مُصَدِّر للطاقة النفطية في العالم، مما جعلنا نعيش في أعلى مستويات الترف الاستهلاكي؛ حيث نستمتع باستيراد ما نريد من المأكل والملبس والمركب وننعم بكل وسائل الحياة الحديثة، بعد أن كنا من أفقر شعوب المعمورة وأقلها موارد بسبب طبيعة بلادنا الصحراوية القاحلة.. ومع أن النفط قد اكتشف في بلادنا وبدأ تصديره منذ ما يقارب سبعة عقود، إلاَّ أننا لم ننعم بالثروة إلاَّ بعد أن ارتفعت أسعار النفط في السبعينيات الميلادية، عندما دخلنا في مرحلة الطفرة من أوسع أبوابها، فترجلنا عن ظهور الإبل والحمير، وامتطينا أفخم أنواع المركبات الغربية والشرقية، وانتقلنا من بيوت الطين إلى الفلل والقصور المسلحة التي لا يسكنها إلاّ كبار القوم في الدول الأخرى؛ ولهذا فإن أخشى ما يخشاه من يخاف عواقب الأمور أن نعود إلى ماضينا البئيس بالسرعة نفسها التي دخلنا بها عالم الحياة المترفة.. |
ومما يزيد من المخاوف أننا في الغالب نعيش اللحظة التي نحن فيها، ولا نفكر كثيراً في التخطيط الإستراتيجي لمستقبلنا، وإنما نسير وفقاً لحكمة شاعرنا: |
دَعِ الأيامَ تفعلُ ما تشاءُ |
وطبْ نفساً إذا حكم القضاءُ |
أو نؤمن بمقولة فيلسوفنا العامي: (اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب). |
تذكرت هذا وأنا أتابع آخر تقرير لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية الذي روجت له وسائل الإعلام الغربية التي لا تفتأ تضخم احتياطي المملكة النفطي بشيء من الخبث والحسد، فهي تضخمه بخبث لتضغط على المملكة من أجل زيادة إنتاجها في سبيل تغطية احتياجات أمريكا من جهة، وكبح ارتفاع أسعار النفط من جهة أخرى. وهي تروج لذلك بحسد لأن وسائل الإعلام الغربية والصهيونية التي لا تريد لهذه البلاد خيراً، تسعى لتأليب الشعوب المستهلكة للطاقة النفطية ضد المملكة، لتظهرها بصورة الهمجي الذي يملك ثروة لا يستحقها، ويتحكم في اقتصاد العالم، ويتلذذ بزيادة معاناة الشعوب التي لا تتوفر لديها طاقات بترولية! |
ويقدر التقرير المشار إليه احتياطي المملكة البترولية بـ267 مليار برميل.. ومع أنني لست خبيراً في الطاقة إلاّ أن لدي إحساساً بأن هذا الرقم ينطوي على مبالغة كبيرة، ويتأثر بعوامل سياسية ودعائية للأسباب التي ذكرتها أعلاه.. والدليل أن أياً من خبراء الطاقة البترولية الغربيين الذين يطالبون المملكة برفع إنتاجها إلى 15 مليون برميل يومياً، لا يتحدثون عن قضية استنزاف هذه الطاقة، ولا يتكلمون عن المدة التي سينضب فيها احتياطي المملكة من هذه الثروة الوحيدة التي يقوم عليها اقتصاد المملكة ورفاهية مواطنيها. |
والأسوأ من ذلك أننا لم نسمع من مسؤولينا المعنيين بالتخطيط لمستقبلنا ما يجعلنا نطمئن على مستقبلنا بشأن التخطيط لما بعد نضوب البترول على الرغم من أهمية هذا الموضوع المتعلق بمصير بلادنا وجيل أبنائنا.. وبحسبة بسيطة فإن زيادة إنتاجنا إلى 15 مليون برميل يومياً التي تطالب فيها أمريكا سيجعلنا نفقد مخزوننا الاحتياطي بكامله خلال 50 سنة على أكثر تقدير، هذا إذا صدقت الأرقام التي أعلنها التقرير المشار إليه عن رقم احتياطي المملكة. أما إن لم تصدق تلك التقديرات فقد نفقد احتياطنا النفطي خلال 20 أو ربما 30 سنة فقط، ونصبح دولة بلا نفط، وبلا ماء، مع افتقارنا إلى المقومات الإنتاجية الأخرى كالصناعة والزراعة، فضلاً عن افتقادنا للأيدي العاملة الفنية التي تشكل مصدراً للثروة في كثير من البلدان.. ولكم أن تتصوروا كيف سيكون وضعنا، وكيف ستصبح حياتنا وقد أصبحنا أربعين أو خمسين مليوناً، بلا بترول وبلا ماء؟ وإذا افترضنا أننا سنعود لعصر ما قبل البترول، فهل سنجد ما يكفي تلك الملايين؟ |
|