على زاوية من زوايا الطريق المؤدي إلى الفندق الذي أقيم به في (هانوفر) بألمانيا هناك المطعم التركي الصغير يبيع ما لذ وطاب من المأكولات التركية وبيافطة كبيرة على المحل بالعربي والإنجليزي والألماني (Halal - أي حلال) لزوم جذب الزبائن المسلمين إلى مأمن المأكولات من أي محظور شرعي، مازحت (الشيف) الذي يباشرني بالمأكولات في الصباح والظهر والليل في ثلاث الوجبات التي أتناولها عنده منذ وصولي إلى ألمانيا، سألت (الشيف) التركي: هل بالفعل اللحم مذبوح بطريقة إسلامية؟ قال بلغة عربية (ركيكة): أكيد كل مأكولاتنا (هلال)، فقلت: والسمك؟ قال السمك والبيض والخضراوات والرز جميعها هلال. لأننا نسمي عليها قبل أن نطبخها، وكلمة (بسم الله) تهلل كل المأكولات: قلت: الحمد لله. |
كان بالقرب مني شاب ذو ملامح خليجية بادرته بالتحية: كيف الحال؟ الأخ خليجي؟ فأجاب: القلب خليجي والجنسية ألماني قلت: أكيد تمزح: من أي دولة خليجية؟ قال: أنا بدون هوية... ولكن وطني الآن والذي أحمل هويته هو ألمانيا قلت: لحظة.. لحظة.. لهجتك خليجية.. ربما من الكويت أو البحرين أو قطر أو حتى المنطقة الشرقية في المملكة. |
قال: لا والله أنا الآن ألماني وقد احتفلت بالجنسية الألمانية قبل أسبوع فقلت: وقبل أن تكون ألمانياً هل كنت خليجيا؟ قال وبحسرة: للأسف (كنت بدون هوية) وأضع خطًّا أحمر تحت كلمة بدون. قلت له: اسمح لي أخي العزيز لا تتأسف أن تكون (بدون) لأنك تحمل جميع المشاعر والأحاسيس الذي يشعر بها أي خليجي يحمل (جنسية) أي دولة من الدول الست. |
قال: الله يكثر من أمثالك. |
قلت: ولأنني فضولي أحب أعرف كيف استقر بك المقام في بلاد الألمان؟ قال: قدري وقدر عائلتي أن نكون ضحايا (البدون) غير محددي الجنسية، وأهلي لا يعرفون وطناً غير الخليج، ففيها ولدنا ونشأنا ومات آباؤنا وأجدادنا دفاعاً عنه.. ولأنني متفوق في دراستي، فتقدمت للهجرة إلى ألمانيا منذ أعوام عشرة حصلت فيها على لجوء إنساني مهد الطريق إلى الامتيازات كلها التي يتمتع بها المواطن الألماني من تسهيلات دراسية وسكن وراتب. |
قلت: وماذا أنت الآن؟ أي ماذا تفعل كألماني؟ قال: درست في كلية الطب وتخصصت في جراحة العيون وأنا الآن أتدرب على أكبر عيادة في مدينة (هانوفر) لجراح عيون عالمي وأتقاضى راتبا خياليا ما كنت لأحلم به في يوم من الأيام وأنا بهوية (بدون). |
قلت: وماذا أتى بك إلى هذا المطعم اليوم؟ قال: ليس اليوم فقط بل كل يوم (وأسال مهمد الشيف).. الذي أتى بي هو الحنين إلى وطني والذي يسكن قلبي وعقلي وجسدي. |
بلادي وإن جارت علي عزيزة |
وأهلي وإن ضنوا علي كرام |
قلت ما رأيك أن تسمح لي أغديك على حسابي اليوم؟ |
قال: لا تنس أنني خليجي عربي والضيافة عليّ يا ابن العم. |
الرياض |
farlimit@Farlimit. com |
|