Al Jazirah NewsPaper Saturday  04/10/2008 G Issue 13155
السبت 05 شوال 1429   العدد  13155
اللغة التي تكرهها الشعوب
د. سعد بن محمد الفياض

لغات التعامل بين بني البشر كثيرة ومتعددة؛ فهناك اللغات الناطقة التي يختار المرء من الكلمات ما يشاء ليعبر بها عن مكنونات النفس ومرادها؛ فالكلمة الطيبة الجميلة صدقة؛ وهي علامة بارزة على كمال عقل صاحبها واستقامته، وكذلك لغة الإشارة ولغة الجسد، هي لغات تعبير وتخاطب، ولكن هل تعلمون أن هناك لغة ربما لا يتكلم بها الإنسان ولا ينطق بها ومع ذلك فهي لغة تمقتها العقول السليمة وتمجها الفطر المستقيمة!! وفي نفس الوقت تدل على ضعف الطوية وسوء النية بالنسبة له وتحرص على تجنب والابتعاد عمن اتصف بها، لغة جاء القرآن بتحريمها والتحذير منها وكذلك السنة المطهرة؛ إنها لغة الظلم والاستبداد، والتعالي على الخلق وهضم حقوقهم، فالله لهم بالمرصاد {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}الظالمون هم قوم ضلوا الطريق {وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}بل بين مصير فئة من فئات الظلمة ونموذج من نماذج المستبدين وهم الذين ظلموا اليتامى تلك الفئة القاصرة الضعيفة عن أخذ حقها توعدهم الله بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من الظلم بقوله: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أراضين) وفي الحديث القدسي عن الله تعالى: (يا عباد إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) والظالمون لا يفلحون في الدنيا ولا في الآخرة.

وبالظلم تزول الخيرات وتحمل النقمات ويكون الخوف والقلق مكان الأمن والطمأنينة {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}فأين الظالمين من هذه الآية العظيمة؟ وإذا أردنا أن نذكر صورا للظلم في مجتمعاتنا لوجدنا من ذلك الشيء الكثير فظلم الأب لأبنائه والمعلم لطلابه وتضييعه لأمانة التربية أو بالجور وعدم العدل في التعامل بينهم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ويقول: (من مات وهو غاش لرعيته لم يرح رائحة الجنة)، ومن صور الظلم في المجتمع ظلم الزوج لزوجته وهضم حقوقها إما بالتعسف والغلظة في التعامل وإما بترك النفقة عليها فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) ويقول: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول) ومن صور الظلم في المجتمع ما يكون في حق العمالة من الخدم والسائقين إما بتأخير رواتبهم أو بتكليفهم ما يشق عليهم والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال في حقهم: (إخوانكم خولكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون فإذا كلفتموهم فأعينوهم) وقال: (أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) فكيف بالذين يهضمون ويظلمون حق العمالة من الشركات والأفراد، ومن صور الظلم أيضا الظلم في البيع والشراء إما بزيادة في السعر أو بإخفاء عيب السلعة إن كان بها عيب؛ والنبي عليه السلام قال: (رحم الله امرأ سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى)، ومن صور الظلم أيضا ظلم رئيس العمل لموظفيه إما في تقييم الأداء أو في التحابي في تعامله مع موظفيه، كذلك من صور الظلم ظلم الجار لجاره بمضايقته أو إزعاجه كيف والعدل مع الجار وإعطائه كامل حقوقه هي الوصية العظمى للنبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)، إن هذه النماذج والصور ولغة الاستبداد والظلم التي يستخدمها البعض في مجتمعاتنا هي صور ولغات تكرهها الشعوب وتشمئز منها المجتمعات لأن لها أعظم الأثر في تفككها وضعف وحدتها وفشو العداوة والبغضاء فيما بينها وأخذ الصورة والانطباع السيئ عنها وعن أهلها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره..) ويقول: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا) إذا ساد العدل حفظت الحقوق ونصر المظلوم وولت الهموم وأدبرت الغموم أما حينما يتجافى الناس عن العدل ويقعون في حمأة الظلم ينبت فيهم الحقد والقطيعة والفرقة وذهاب الريح؛ وكفى بذلك أثرا وعاقبة.



Saad.alfayyadh@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد