Al Jazirah NewsPaper Saturday  04/10/2008 G Issue 13155
السبت 05 شوال 1429   العدد  13155
المرأة والعقلية الذكورية
فوزية البكر

كانت تتحدث بطلاقة وارتياح.. دون كلمات مبالغ فيها.. ودون إظهار تعقيد اجتماعي أو فلسفي أو ديني يؤكد التميز.. تلتف في عباءتها الساترة وتغطي معظم شعرها بالطرحة التي تبدو طبيعية حيث هي علي رأسها... إنها المديرية التنفيذية لمهرجان دبي لعام 2009.. امرأة من دولة الإمارات العربية المتحدة تنطلق لقيادة المهرجان في دورته الرابعة عشرة..

كيف تستطيع أن تفعل ذلك ونحن هنا لا نستطيع؟؟

كيف أمكن لشابة مواطنة أن تتخطي (كل طوال الشوارب) وبدعم مباشر من الشيخ محمد بن راشد بن مكتوم تم تعيينها في منصب ليس من السهل حتى أن تحصل عليه امرأة في الغرب الذي عاصر رحلة صراع المرأة للحصول على بعض مكتسباتها السياسية والقانونية ولا زال في حين لا نزال نحن هنا نئن تحت ضغط تراكمات تاريخية وثقافية تحدد الرؤية للمرأة وتلقي بأحمالها في وجهها كل يوم منذ أن تولد سواء كان ذلك في شكل تعسف أو تجاهل للحقوق أو عنف أسري أو زوجي.

أربع عشرة سنة وهذه الشابة تعمل في مهرجان التسوق الذي أكسبها القدرة على التعامل مع كل الأجنحة سواء كانت حكومية أو قطاعا خاصا أو روادا للمهرجان أو مروجين له من شركات التلفزة والدعاية ..إلخ.

وخلال عملها هذا لم تكن مشكلة هل أضع العباءة أم لا مسألة مقلقة لها فالعباءة بالنسبة لها لباس وطني ساتر يحقق الشرط الشرعي وهي ترتديه في ارتياح دون أن يترتب على ارتدائه أي تبعات بعدم قدرتها على العمل في قطاع ما أو يحدد المساحة التي تتحرك فيها أو من يحق لها أن تعمل معه أو تتحدث أو تعقد اتفاقيات إلخ من التزامات مهنية أو مالية تترتب على طبيعة عملها في هذا القطاع.

السؤال الذي يجب طرحه هنا هو كيف استطاعت دول الخليج (برجالها) الذين ينحدر معظمهم من ذات الأصول العائلية والقبلية التي تعود لأرض الجزيرة التقدم في برامج التنمية دون اضطرارهم للانزلاق في موضوع المرأة الذي ظل ولا يزال لدينا مطبا مخيفا يتدحرج الجميع في أروقته داخل هوة هائلة من الفقاعات الفكرية والطروحات المؤدلجة دون أمل في الوصول إلى رؤيا مريحة تمكن الدولة من التحرك.

الدعم والحكومي والقانوني الذي وجدته المرأة في باقي دول الخليج العربي وفر المناخ العام الإيجابي الذي شجع على التعامل معها ومنذ البدايات الأولى لبرامج التنمية كمواطن كامل مثلها مثل الرجل ولها وعليها ما عليه من حقوق التزامات وهو ما خلق هذه البيئة الداعمة التي تسمح للمرأة أن تدرس وتعمل وتعامل حكومياً وقانونياً بشكل مواز للرجل سواء تعلق الأمر بالمناصب الحكومية أوسياسات الأقراض أوالتشجيع اوالتدريب مما ولد أمراة الأمارات الحديثة التي لازالت وكما نراها اليوم بعباءتها وغطاء رأسها كما رغبت هي ورغب المجتمع المحلي دون أن يؤثر ذلك في قدرتها على التقدم في حياتها العلمية أو المهنية أو الشخصية.

المرأة في الإمارات تدرس في مدارس منفصلة وتلبس العباءة وغطاء الرأس بل والنقاب في كثير من المؤسسات لكنها تعمل في كل قطاع وتتحرك بسيارتها وتنافس على أعلى المناصب في القطاعين الحكومي والأهلي دون أن يكون لعامل الجنس التأثير الأكبر (بلا شك سيكون له بعض التأثير) لكن ذلك قد يعود لعوامل ثقافية أو مجتمعية دون أن يجد سندا قانوينا أو تنفيذيا في أروقة المؤسسات العامة كما هي الحال هنا. التفرقة على أساس الجنس مؤسسية وهي في طبيعة لوائح وتنظيمات المؤسسات المحلية هنا سواء للحصول على تعليم أو عمل أو إنهاء معاملات حكومية بل وحتى داخل المؤسسات التي أنشأت مؤسسات موازية خاصة للنساء حيث المرأة في الغالب تغبن في الحصول على الكثير من الحقوق التي يتحصلها زميلها الرجل.. فالعاملون مثلا في القطاعات التعليمية التي ترعي مؤسسات نسائية تابعة مثل (وزارة التربية - الجامعات) تعرف أن مراكز صنع القرار للمؤسسات النسائية تقبع في مكاتب الرجال الذين لم تطأ أرجلهم المؤسسات النسائية كما أن اللجان والاستشارات والبدلات والتقدم في المناصب الحكومية معظمها وفي الغالب يكون قصرا على الرجل وهو الأمر نفسه في أكثر المؤسسات المالية كالبنوك النسائية التي تعجز الكثير من العاملات فيها عن اتخاذ أبسط القرارات ولابد من صانع القرار.. الرجل حتى لو احتل نفس العمل. ناهيك عن الاختلاف في الرواتب والأعطيات والبدلات والبونس السنوي الخ.

تؤكد الأدبيات ذات العلاقة بالتفرقة على أساس الجنس التي درست أوضاع النساء ضمن مجتمعات العالم الثالث ولفترات تاريخية مختلفة (مثلا نظرية بلومبرك) على أن الإجراءات الحكومية الإيجابية في العادة تلعب دورا كبيرا في مساعدة المرأة على الحصول على بعض المكاسب الاقتصادية والسياسية من حيث نسب المشاركة العامة ومن حيث القوة الاقتصادية.

وقد ظهر أن هناك مقاومة طبيعية لذلك من الرجل الذي يرى أن هذه القوانين وما يرتبط بها من ظواهر كوسائل مهددة لامتيازاته التاريخية في الجانب الاقتصادي والسيــاسي والاجتماعي والأرث العائلي غير أنه وكــلما زادت وتأصلت القوانين الحكومية الداعمــة للمرأة كلما تضاءلت بالتدريج قــوى المعارضة وكلمــا ظهرت قــوانين تعاقب التمييز والعنف ضد المــرأة مما يعني مزيدا من القوة الاقتصادية والســياسية للمرأة.

ماذا يعني ذلك؟؟ أهمية المواقف الإيجابية التاريخية التي تتخذها الحكومات في العالم الثالث لتحديد مسار وضع المرأة ودرجة مشاركتها الاقتصادية والسياسية ولنا في الملك فيصل خير نموذج وهو الذي قرر فتح مدارس البنات قـــبل اكثر من أربعين عاما ضد رغبة المجتمع مما أصل حق المرأة في التعليم اليوم بحيث أصبح حقا لا يناقش وها هي دول الخليج كافة تطلق الرايات دون تردد ومنذ نشأتها كدول فتية لدعم المرأة وخلق مناخات مجتمعية إيجابية تعامل المرأة كمواطن مواز لـــرفيقها الرجل ويبقي أن ننظر في عقر دارنا ونسأل التاريخ... ما الذي يحدث هنــا فيبقينا أسرى لكل هذا الصراع؟؟؟




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد