من جورج الثاني ملك إنكلترا والغال والسويد والنرويج..
إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام..
بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل، لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أربعة أركانها، وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة (دوبانت) على رأس بعثة من بنات أشراف الإنكليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف، وتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وفي حماية الحاشية الكريمة، والحدب من قبل اللواتي سوف يقمن على تعليمهن، وقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها، مع التعظيم والحب الخالص.
من خادمكم المطيع..
جورج. م. أ.
وجاءه الجواب من الخليفة الأندلسي هشام الثالث:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه سيد المرسلين.. وبعد:
إلى ملك إنكلترا وايكوسيا واسكندنافيا الأجل..
اطلعت على التماسكم فوافقت على طلبكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر من أرباب الشأن، وعليه نعلمكم أنه سوف ينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين، دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي، أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، وبالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية، وهي من صنع أبنائنا، هدية لحضرتكم، وفيها المغزى الكافي للتدليل على التفاتتنا ومحبتنا، والسلام.
خليفة رسول الله في ديار الأندلس..
هشام.
الرسالة الأولى: تصف بوضوح وصراحة، واقعاً كان مظلماً، تجذر فيه الجهل والتخلف بأجل صوره، لكن استطاع أهله أن يتجاوزوه، بعقول منفتحة، ورغبة صادقة بالتواصل مع مصادر المعرفة، حتى وإن كانت لا تتفق ولا تتوافق مع مجتمعهم في منطلقاته العقدية والفكرية والاجتماعية، وكان لهم أن تملكوا هذه المعرفة، ونموها وأثروها، بتفعيلها وتوظيفها في شتى مجالات حياتهم، وحققوا بها السبق والفوز والمزاحمة على الصدارة والمكانة المادية العالية الرفيعة بين الأمم، وهاهم اليوم يعيدون تصدير المعرفة التي أسسوا عليها بنيانهم العلمي الشامخ إلى العالم كله وبأعلى درجات التمكن والتفوق.
أما الرسالة الثانية: فتصف بوضوح وصدق، واقعاً كان منارة وضاءة، لأمة امتلكت باقتدار المجد والتفوق من كافة أطرافه، وفي مختلف مجالاته، لكن أصاب أهلها سنة وغفلة، فتوقفوا عن الحركة، وأوقفوا عجلة التقدم والتطور، وتنمية المعرفة، فإذا بهم في مؤخرة الركب، وكانت هذه النهاية وهذا المصير من الضياع متوقعاً، إنه نتاج التخلي عن مصادر القوة الدافعة، ومكامن العزة الشامخة، لأن القوم إنكفأوا على أنفسهم، فإذا بهم اليوم يستجدون ماكانوا يتملكون زمامه، فتخلفوا عن الصدارة إلى المؤخرة، فتاهوا وضاعوا، وانقطعت بهم وعنهم سبل المعرفة والتفوق، ولن تصلح حالهم إلا بالعودة إلى ماكانوا عليه من التمسك بما حققوا به ذاك المجد الضائع.