جدة - صالح الخزمري:
شكّل رحيل الكاتب والأديب الكبير السيد عبد الله الجفري فاجعة لكل الكُتّاب والمثقفين، بل وكل المشتغلين بالهمّ الأدبي والثقافي في الوطن العربي كافة.
الصحافة والقصة والخُلُق الجمّ وأسلوب السهل الممتنع والرومانسية والمحافظة كانت أموراً يتقاطع حولها عدد ممن نعوه وأبدوا أسفهم لفراقه.
(الثقافية) كانت حاضرة منذ اللحظات الأخيرة لرحيل هذه القامة، ورصدت مشاعر المثقفين والأدباء.
* د. عبد الله مناع - الكاتب المعروف - أبدى حزنه الشديد لفَقْد هذه القامة، وقال إنه مما لا شك فيه أنه أديب من أدباء المرحلة الثانية، حيث المرحلة الأولى تمثل الجيل الأول مثل العواد والزيدان وغيرهما، أما المرحلة الثانية فتمثل جيل الوسط. وقد كان رحمه الله أديباً ناعماً ورومانسياً وغارقاً في الرومانسية، تألق بموهبته ولم يكن لتعليم الجامعة تأثير عليه، وقد كان متميزاً وكان يختار المواضيع الهادئة التي لا ضجيج حولها.
كان في مشواره معسكراً، حيث كان من جماعة البلاد السعودية، وكنت في معسكر آخر في الرائد والمدينة، ولم تكن هناك علاقات ملتحمة، وكان كلا المعسكرين في المرحلة الثانية، ثم اقتربت من الزيدان والجفري، وكان معتداً بنفسه، وكان الزيدان هو الجسر بيننا، وقد كان منفتحاً، وكانت سنة 67 بداية تحول الزيدان ووجدني معه على ذات الطريق، فأصبح لي أباً وكذلك الجفري.
كتبت وكتب الجفري في عكاظ في مرحلة كاد يكون المسؤول فيها، كما أن الفن وحبه يجمعنا، وقد سافرنا معاً لحضور حفلة لفنان العرب في عمان، جمعتني به الكثير من المناسبات والمحبة وكان دائماً ينصفني في كل مناسبة، إنه أديب هادئ ناعم يختار المواضيع البعيدة عن الجدل والسياسة.
* فيما يقول د. حسن الهويمل - رئيس نادي القصيم الأدبي السابق والأديب المعروف: لقيته ذات مرة، وكنت قد سُئلت عنه فقلت شفى الله قلبه وملأ جيبه، وكنت أعرف أنه في تلك الفترة يمر بأزمة مالية وأزمة قلبية، فما كان منه إلا أن قبل شفاء القلب وتساوت عنده قضية المال. وقال عنه إنه كاتب رقيق، عاش حياة رومانسية طغت على قلمه وتبدت في كلماته، وأصبح معروفاً بذلك الأسلوب الرقيق رقة قلبه، والجميع جمال أخلاقه.
وحين نفقده في أيام العيد أيام البهجة فإنما يريد أن يثبت لنا أنه دائماً ضد التيار.
أما عن معرفته فيقول: لقد عرفته منذ أن كنت شاباً يتعقب الكُتّاب، ويتمنى أن يكون له ولو مفحص قطاة فيها، ثم قويت علاقتي به حيث كنت ألتقي به في مناسبات عدة، وقد كان رجلاً بشوشاً حيياً يبدأ زملاءه ومعارفه وأصدقاءه بالسلام.
ولقد قامت بينه وبين أحد أصدقائي بعض الخلافات ذات الطابع العملي المرتبط بهموم الأدب، ولقد ساءني ذلك وسعيت جهدي لتصفية الأجواء دون طلب من الطرفين، وبعد مدة تبين لي صفاء الأجواء وعودة المياه إلى مجاريها.
وأضاف د. الهويمل أن من أفضال اثنينية الشيخ عبد القصود خوجة أنها طبعت أعماله كاملة، وستكون لي عودة إلى شيء منها لإطلاع القراء على خصائصه الأسلوبية واتجاهاته الموضوعية وأثره على مسيرة الصحافة في بلادنا.
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
* واعتبره القاص محمد المنصور الشقحاء أول من أصدر مجاميع قصصية قصيرة، وله علامات مضيئة. ويضيف: إنني كتبت عن (الجدار الآخر) في مجلة اليمامة، وهو استعراض كقارئ، فالرجل له بصمة مؤثرة في القصة القصيرة، وقد قدم أشياء جميلة وأشياء في الجانب الرومانسي في هذا الزمن المتعب.
كما أن له ثقله الأدبي والثقافي، أما في المجال الصحفي فكان المشرف على الصفحة السابعة في جريدة عكاظ وملحق الأربعاء بجريدة المدينة.
أما العلاقة به فهي علاقة مبدع بمبدع، مع العلم أنني لم ألقَه في حياته، وقد كنت أنشر عنده في عكاظ وفي ملحق الأربعاء، وأعتبره علامة فارقة، وكتاباته مؤثرة، وله بصمة واضحة فيها، والجميل جداً أن الشيخ عبد المقصود خوجة نشر كل أعماله وكرّمه في حياته وهذا يُعتبر توثيقاً تاريخياً.
وقد كان يحب العزلة - رحمه الله - في حياته، وقد قدّم الشيء الكثير، وضحى بالكثير على حساب أسرته ووظيفته وصحته.
* فيما اعتبره د. عاصم حمدان - عضو هيئة التدريس بكلية الآداب بجامعة الملك عبد العزيز والأديب المعروف - واحداً من أبرز الجيل الذي تلا جيل الرواد، وقد كانت بداياته صحفياً في مكة برفقة الأستاذ محمد عمر توفيق، ثم بدأت كتاباته تتسع مداها في الصحف المحلية مثل البلاد وعكاظ والمدينة، ثم أصبح أحد الكُتّاب السعوديين الذين حظوا بالكتابة في الصحف المهاجرة.
وأضاف أن الصحافة لم تشغله عن هموم الإبداع؛ فقد ظل وفياً لفن القصة والسرد، ويعد من رواد القصة الحديثة في بلادنا مع إبراهيم الناصر.
ويضيف د. عاصم أن له إسهاماً آخر هو إشرافه على عدد من الملاحق والصفحات الأدبية كالصفحة السابعة في عكاظ ثم كان له فضل الريادة في التخطيط لملحق الأربعاء في عهد رئيس تحريرها أحمد محمد جمال، ثم التحق بالشرق الأوسط فكان مشرفاً على ملحقها الأدبي.
حظي بسمعة أدبية محلية وعالمية، ولكنه كان يعاني الوحدة ومرارة العيش، وكان يستشهد بمقولة زيدان (المجتمع دفان).
ويضيف: عرفتُه عام 1388هـ، وظلت صداقتنا، واليوم أرثيه بكلمات حارة وصادقة، وأقول رحم الله أبا وجدي، وستظل حروفك تشع من خلف كثبان الحجون والمعلاة.
* ويعتصر الألم قلب الشاعر يحيى حسن توفيق الذي يعتبر أن خبر وفاة السيد الجفري كان فاجعة له، كيف لا ونحن نفقد رائداً في الصحافة والقصة والمقالة، كيف لا ونحن نفقد إنساناً أحب الناس وأحبوه، خدم وطنه وضحى من أجله ومن أجل الكلمة الصادقة التي تصل إلى القلب.
وذكر موقفاً عظيماً له عندما صارت ضجة العواد، فقال هل تريدون أن تحجروا على فكره؟ إن كان لكم جواب فجاوبوا عليه.
وأضاف: جمعتنا جريدة المدينة وعكاظ، وقد تعاون معي كثيراً رحمه الله رحمة واسعة وعوضنا خيراً.
* ويقول الكاتب المعروف عبد الله فراج الشريف: في هذا اليوم يغيب عن ساحة الأدب والثقافة السيد عبد الله الجفري، وقد تلقيت النبأ بحزن عميق، وليس لي إلا أن أستذكر عطاءه في مدة أربعين عاماً مع ما تمتع به من خُلُق عظيم وأدب جمّ، حتى أنني لا أظن أحداً إلا ويحمل له هذا الحب. وحزننا يزداد حين نتذكر أن فترة مرضه قصّر فيها أكثرنا، وقد غمرنا بحبه، وهو اليوم يغادرنا، وما أساء إلى أحد قط، وغيابه سيضع فراغات لا يملؤها إلا هو؛ فهو المتميز في القصة والمقالة التي قدمها برومانسية واهتمام محب لوطنه وللناس، ومهما قلنا فلن نفيه حقه.. إنه فقيد الوطن، وسنظل نحزن عليه ما دمنا أحياء؛ فهو خامة كبيرة نحني لها رؤوسنا ما دمنا أحياء.
* ويشيد د. محمد خضر عريف - عضو المجلس العلمي بجامعة الملك عبد العزيز والأستاذ بكلية الآداب - بقدرته الإبداعية، حيث يقول: إنه من المسلّم به عند المشتغلين بالأدب أن الإجادة في فن النثر أصعب بكثير من الإجادة في فن الشعر، ذلك أن الشعر له مقاييس ومعايير منضبطة، أما النثر فليس له ضوابط محددة؛ لهذا كان المبدعون من الناثرين أقل بكثير من المبدعين في الشعر، وينطبق ذلك بالدرجة الأولى على فقيدنا وفقيد الأدب السعودي والعربي بل والعالمي السيد عبد الله الجفري - رحمه الله - الذي كان أبرز الناثرين السعوديين المبدعين الذين ملؤوا الساحة الأدبية بنثرهم كما ملأها غيره بشعره، وكثير هم من تتلمذ على مدرسته الصحفية وقلدوه في عموده الذي هو عمود أدبي بالدرجة الأولى يقرؤه الواحد منا ليشتمَّ عبق زهره أو ليلعق رشفة من عسله.
ويضيف: كان أخاً وصديقاً ومحباً له، ومن عجب أنه سأل عني في فترة مرضه أكثر مما سألت عنه، وكان آخر اتصال له معي ليسألني ما إذا كان قد وصلني كتابه الأخير (نزار قباني آخر سيوف الأمويين الذهبية) الذي صدر عام 2005م، ولما علم أنه لم يصلني حزن حزناً شديداً وبادر إلى إرسال نسختين من الكتاب عليهما الإهداء بخطه الجميل.
وذكر موقفاً عن نزاهته وكرمه وفضله مما لا يعرفه الكثير من الناس أنه كان مستأجراً شقتين من عمارة د. سعيد الأفندي، وقد قال لي إنه لم يؤخر إيجاره قط الذي كان يصل إلى مائة وخمسين ألف ريال يوماً واحداً، بل كان يوصله إليَّ قبل موعده، ولعلمكم لم يكن بيننا أي عقد أو مكاتبة، ولم يأخذ مني وصلاً بالمبلغ وخرج من العمارة وهي لم تتسخ وفي حالة جيدة.
ويختم د. عريف: أخي عبد الله رحمك الله رحمة واسعة، ستفتقدك المجالس التي كنت تعطرها بأدبك وثقافتك وإبداعك وخُلُقك الحسن وفي مقدمتها مجلس أخي الأجل معالي الشيخ أحمد زكي يماني.
* ويعتبر د. سهيل قاضي - رئيس نادي مكة الأدبي - أن للجفري مكانة في نفوس الآباء والمثقفين، ومر بعقود من الزمن وهو يحمل سلاح القلم ولم يبخل بما لديه. ويضيف: وإذا كان يترجل اليوم فنسأل الله أن يسكنه فسيح جناته، وسيظل تاركاً فراغاً وكمّاً هائلاً من الرصيد الثقافي والعطاءات التي لا يمكن أن تُنسى، وهذا عزاؤنا في كل مَن يحمل القلم في سبيل تنوير المجتمع.
وسيظل - رحمه الله - في قلوبنا، وأنا كأحد قرائه معجب به مع أنه لم تكن لي به علاقة على المستوى الشخصي، وفي أحد الأيام خصني بمقال فكان من الواجب أن أرد له الجميل فهاتفته وكنت على صلة معه في المستشفى في فترة مرضه.
* ويعتبر د. أيمن حبيب - مدير شركة المستقبل الإعلامية - أنه من المؤلم جداً ومما كدَّر علينا هذا العيد أن نفقد أديباً وكاتباً ومبدعاً ذا فكر وثقافة وقلم رفيع، ظل ينزف عدة عقود كما نزف قلبه أزمنة طويلة إثر معاناته المريرة مع المرض.
ويضيف: لقد أحزننا غياب ذلك القلم الشامخ الأديب المبدع الذي يحسب من رواد الإبداع والكتابة في بلادنا؛ نظراً إلى مساهماته الكثيرة والعديدة في مجال الكتابات الأدبية والمقالة الصحفية التي سطر فيها أروع الأفكار وأجمل الأحرف بلغة رومانسية وبشفافية عالية الحسية طيلة ما يربو على أربعة عقود، وظل حتى الرمق الأخير يناضل في محراب الكلمة مدافعاً عن القيم والأفكار والمتطلبات والاحتياجات الإنسانية، فضلاً عن التعبيرات الأدبية الراقية التي أضافها إلى فكرنا وثقافتنا المحلية. ولئن جاءت منية السيد الجفري في هذه الأيام المباركة فكأنه يريد أن يوجه رسالة أخيرة إلى كل مُحبّ، هي أن رحلة الصمت التي اختارها الله له لا بد ألا تنسينا - كلما تكررت ذكرى العيد السعيد على نفوسنا - مغادرة هذه القمة الرائعة، وأرجو أن يحظى نضاله بالتقدير والاهتمام اللائقين من بلادنا المعطاءة التي وهبت للكثير ثنايا تقدير تليق بقاماتهم الشامخة ولا أقل من أن يخلد أديبنا الجفري بفيض من هذا العطاء، رحمه الله رحمة واسعة.
* ويعتبر د. عبد الوهاب أبو سليمان أننا بفَقْد السيد عبد الله الجفري نكون قد فقدنا واحداً من رجال البلد الأفذاذ، وبيّن إعجابه بإبداعاته وأسلوبه وأفكاره.
ويضيف: كان له جهد في الصحافة على المستوى العربي، وأنا ممن فَقَد السيد الجفري رحمه الله رحمة واسعة.