فالكتابة اليومية والأسبوعية أعتبرهما: (جُعْلاً) ودخلاً مادياً أعيش منه، وقد تعودت - مع طول السنين -، والخبرة، والممارسة: أن أكتب العمود اليومي كواجب مدرسي، لكني أحياناً (أخطفه) من الحدث الإخباري والطرح الصحافي، وأغرس فيه كلمات من دفء الروح، وشجون الوجدان.. وبقية الوقت: للقراءة والكتابة أدباً وسرداً إبداعياً، كما وصفته!..).
كانت هذه الجمل الصادقة زهرة من حوار صحفي رشيق أجراه الزميل أ. عبد الحفيظ الشمري مع الراحل عبد الله الجفري بمجلة الجزيرة عام 2006م.
ها هو الموت يغتال صاحب الكلمة الصادقة الوضاءة؛ التي تدخل القلب بلا استإذان لتأسره بجمالها وعفويتها، فكانت.. ولم تزل رغم غياب رمزها، المثل الأعلى والأسمى في ماراثون الكتابة الصحفية (المهنية) تحتفل بوجوده داخلها وبين أحرفها.
جموع غفيرة من والأحرف والكلمات التي سطرها يراع الكاتب الكبير عبد الله الجفري ستظل شاهدة على نبل هذا الرجل ووفائه لها، ولكنها ستبكيه اليوم وحق لها ذلك فقد فقدت فارسها وأنيسها إلى الأبد، فيالها من خسارة.
من يقرأ إبداعات الجفري سيعرف المعنى الحقيقي لاحترام الحرف قبل الكلمة؛ التي فيها كلمات أخرى أرق وأدق من دفء روحه وشجون وجدانه (الحي) الصادق فكانت ولم تزل تلك الكلمات تشع بنور النبل والوفاء السامي حتى بعد رحيله ثاني أيام العيد.
لم يثنه المرض ولا الألم عن الإبحار في سماء الكتابة، فكان زورقه الضافي يرحل بهدوء رهيب ليصل إلى الجانب الآخر من روايته (لندخل أعماق الليل).. ونحن في أشد الشوق والشوق لقراءتها. والأمل في نجله وجدي بأن يقدم للمتعطشين لإبداعه الثري نتاجه الأخير الذي ما زال حبيساً داخل مسوداته الخاصة.
خسارة كبيرة منيت بها الثقافة ولكن هذه هي سنة الحياة والكون.. رحمك الله رحمة واسعة يا أبا وجدي، رحلت عن الدنيا ومازلت ساكناً في قلوب محبيك،{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.