Al Jazirah NewsPaper Friday  03/10/2008 G Issue 13154
الجمعة 04 شوال 1429   العدد  13154
الصين وتوازن القوى الجديد
دينغلي شن

في العام 1991م انهارت آخر القوى العظمى المنافسة للولايات المتحدة، متمثلة في الاتحاد السوفييتي. ولكن بعيداً عن قوته العسكرية، لم يكن الاتحاد السوفييتي يملك من القوة ما يكفي لموازنة نفوذ الولايات المتحدة.

وفي أواخر ثمانينيات القرن العشرين بدت اليابان وكأنها قادرة على تحدي الزعامة الصناعية الأمريكية، ولكن بحلول التسعينيات كانت اليابان قد خسرت قدرتها التنافسية.

والآن ربما تتمنى الصين أن تتحول إلى قوة عظمى في عالم متعدد الأقطاب، ولكن افتقارها إلى القوة الإجمالية يقيدها.

على ضوء هذه الحقائق تنظر الصين إلى توسع الاتحاد الأوروبي باعتباره ثِقَلاً موازناً محتملاً لقوة الولايات المتحدة التي لا يحكمها ضابط ولا رابط.

إذا تحدثنا عن الناتج الاقتصادي فلسوف نجد أن الاتحاد الأوروبي اليوم أصبح متكافئاً مع الولايات المتحدة.

بيد أن الاتحاد الأوروبي ما زال عليه أن يبني نظاماً دفاعياً قوياً قادراً على الاستجابة بكفاءة سواء للأحداث الإقليمية أو الاحتياجات العالمية.

ولكن ما مصادر القوة التي ينبغي لهذا النظام أن يتمتع بها حتى ينمو ويتطور، وما هي أوجه التشابه بين هذا النظام ونظيره في الولايات المتحدة؟

تحرص الصين في تقييمها لقوة أمريكا كل الحرص على متابعة الحوارات الدائرة في الولايات المتحدة بشأن فضائل العالم الأحادي القطبية أو الثنائي القطبية.

فمن المعروف أن بعض الأمريكيين يفضلون النظام الأحادي القطبية الذي تنفرد الولايات المتحدة بموجبه بالهيمنة على العالم.

إذ إن الدولة سوف تتحمل تكاليف أقل لصيانة مثل هذا (السلام الأمريكي)، ولكن العالم في المقابل سوف ينزعج ويضطرب إذا ما تبنت أمريكا السياسة الخطأ، كما حدث في حالة العراق.

لا شك أن الولايات المتحدة لديها الحق في صد الإرهابيين مثل هؤلاء الذين خططوا ونفذوا هجوم الحادي عشر من سبتمبر 2001م.

بيد أن (الحرب ضد الإرهاب) لا تبرر القرار الذي اتخذته الإدارة الأمريكية بالهجوم على دولة ذات سيادة والإطاحة بحكومتها بناءً على افتراض زائف مفاده أن تلك الدولة كانت تؤوي أسلحة الدمار الشامل وكانت مرتبطة بهجمات العام 2001م.

لقد ذهبت الولايات المتحدة إلى الحرب رغم المعارضة القوية من جانب فرنسا وألمانيا وروسيا والصين، وغيرها من الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ومنذ ذلك الوقت سعت فرنسا وألمانيا إلى استعادة العلاقات الطيبة مع الولايات المتحدة، إلا أنهما ما تزالان على رفضهما للحرب.

والحقيقة أن الشرق الأوسط، الذي يشكل إقليماً دائم الأهمية بالنسبة لأوروبا، أصبح الآن أقل استقراراً كنتيجة مباشرة للحرب في العراق. وكانت الزعامة الأمريكية من بين ضحايا هذه الحرب.

وعلى هذا فإن الصين تنظر إلى مفهوم الدفاع الأوروبي المستقل الذي يتجسد في خطة الأمن والدفاع الأوروبية (ESDP)، وقوة الرد السريع التابعة للاتحاد الأوروبي (RRF)، فضلاً عن العديد من المهام الشُرَطية باعتباره ضرورة فعّالة في ظل نظام عالمي متعدد الأقطاب.

وترى الصين أن خطة الأمن والدفاع الأوروبية سوف تجسد (في الوقت الحالي) المصالح الأمنية الأمريكية في أغلب الشؤون الأمنية، وذلك لأن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يشتركان في القيم الأساسية المرتبطة بحقوق الإنسان والديمقراطية.

فضلاً عن ذلك فقد عهدت أغلب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بقدراتها الدفاعية إلى منظمة حلف شمال الأطلنطي التي تتولى الولايات المتحدة قيادتها منذ نشأتها.

بيد أن خطة الأمن والدفاع الأوروبية، بمجرد بلوغها مرحلة النضوج الكامل، لن تتبع بالضرورة القيادة الأمريكية بلا شرط أو قيد، وبخاصة إذا ما استمرت السياسة الأمريكية في الانحراف عن قواعد القانون الدولي، كما فعلت في العراق.

ونتيجة لاكتساب الأوروبيين لقدرات دفاعية أوروبية شاملة فمن المرجح أن يضطلعوا بدور أكثر استقلالاً مقارنة بالوقت الحاضر في إدارة العلاقات الأمنية داخل أوروبا وتولي تنفيذ المهام العالمية.

لا شك أن الصين ترحب بهذا الدور الأمني المتوسع للاتحاد الأوروبي.

ورغم أن الصين ما زالت منزعجة بسبب التدخلات الدولية من جانب الاتحاد الأوروبي، إلا أن قوام ونمط العمليات التي ستتولاها خطة الأمن والدفاع الأوروبية من المرجح أن يكسباها احترام الصين لأسباب عديدة.

السبب الأول أن زعماء الصين يدركون أن خطة الأمن والدفاع الأوروبية تهتم في المقام الأول بشرعية المهام التي تتولى القيام بها.

فحتى وقتنا هذا احترمت كافة المهام التي تولتها خطة الأمن والدفاع الأوروبية القانون الدولي والترتيبات الحكومية بين الأطراف المتنازعة.

وكانت أغلب مهامها العسكرية أو الشُرَطية مستندة إلى قرارات صادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما كانت كافة المهام التي تولتها خطة الأمن والدفاع الأوروبية خارج أوروبا بدعوة من السلطات المحلية.

من المؤكد أن المهام الأمنية التي تتولاها خطة الأمن والدفاع الأوروبية، وحتى هذه التي تتفق مع قرارات مجلس الأمن، قد لا تتم في إطار نظام الأمم المتحدة؛ إذ إن الأمم المتحدة تفضل زعامتها المستقلة الخاصة بها.

بيد أن خطة الأمن والدفاع الأوروبية لا تتطلب بالضرورة تفويضاً من مجلس الأمن كشرط للقيام بمهامها، وهي تحتفظ لنفسها بدور مستقل في تنفيذ هذه المهام.

ولكن حين نقارن خطة الأمن والدفاع الأوروبية بما تنتهجه الولايات المتحدة من أساليب فلسوف نجد أنها (في نظر الصين) تولي قدراً أعظم من الاهتمام للشرعية الدولية، التي تساندها سلطة الأمم المتحدة.

السبب الثاني أن خطة الأمن والدفاع الأوروبية مهتمة بالحكم الصالح وبناء المؤسسات.

والاتحاد الأوروبي حريص على ترسيخ حقوق الإنسان، والاستقرار، والرخاء.

وخارج أوروبا تعمل خطة الأمن والدفاع الأوروبية على تعزيز الحكم الصالح بدلاً من الترويج لتغيير النظام، وكثيراً ما ساند الاتحاد الأوروبي الجهود التي تبذلها الحكومات لتحسين الظروف الأمنية.

السبب الثالث أن خطة الأمن والدفاع الأوروبية تفتح أبوابها أمام التعاون الدولي.

والاتحاد الأوروبي يعمل بالتعاون مع دول لا تنتمي لعضوية الاتحاد الأوروبي، كبعض الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلنطي مثل كندا والنرويج وتركيا، أو مع البلدان الطامحة إلى الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي.

كما تعمل خطة الأمن والدفاع الأوروبية بالتعاون مع الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإقليمية، مثل الاتحاد الإفريقي واتحاد دول جنوب شرق آسيا. وحين يتعاون الاتحاد الأوروبي مع مثل هذه المنظمات الخارجية فإنه يسعى إلى الاضطلاع بدور قيادي.

هناك من الأسباب الوجيهة ما يجعلنا نتوقع استمرار الصين في تقبل الآلية الأمنية الأوروبية المستقلة.

ولا شك أن الصين لا تخشى أي تدخل من جانب خطة الأمن والدفاع الأوروبية في شؤونها الداخلية، مثل قضية تايوان.

والحقيقة أن الصين راغبة في نهوض أوروبا القوية المستقلة، ومن هذا المنطلق فليس من المبكر بالنسبة للصين أن تتطلع إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب حقاً.

دينغلي شِن العميد التنفيذي لمعهد الدراسات الدولية التابع لجامعة فودان في شنغهاي، ومدير مركز فودان للدراسات الأمريكية.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت - عالم أوروبا، 2008.
خاص بـ(الجزيرة)



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد