Al Jazirah NewsPaper Friday  03/10/2008 G Issue 13154
الجمعة 04 شوال 1429   العدد  13154

مجلس الشورى بين العواقب والمشورة
د. عبدالله بن سعد العبيد

 

لا أبالغ حين أقول إنني أترقب وغيري كثيرون ماقد يصدر من قرارات لهذا المجلس الذي يتم تشكيله عادةً من مجموعة من الأعضاء بأمر ملكي ويعاملون معاملة شاغلي المرتبة الخامسة عشرة وهي أعلى مرتبه في سلم المراتب الحكومية قبل أن ينتقل من يشغلها إلى مرتبة معالي وهي الممتازة ومرتبة وزير.

أطالع كعادتي كل يوم جمعة جلسات المجلس لأرى ما يتم تحت قبته، ولم يسبق لي أن رأيت قراراً تم إتخاذه أو أمراً تم حسمه وما رأيته خلال بعض الجلسات التي شاهدتها عبر الرائي لم يكن سوى مداخلات من أعضاء المجلس وإلقاء كلمات كالخطب في حضرة معالي الرئيس ونائبه ومعالي الأمين العام.

لم أرَ يوماً أن ماتم كان فيه ما يفيد في حل القضايا الشائكة العالقة والتي أفترض أن تكون على رأس مهام المجلس كما ورد في نظام مجلس الشورى المعلن على الشبكة العنكبوتية.

لم أرَ يوماً أنه قد تم توظيف طاقات وعلم وخبرة الأعضاء التي تم تعينهم في المجلس في القضايا التي يعاني منها مجتمعنا كتوظيف العاطلين عن العمل واستشراق مستقبل التوظيف بالمملكة ومعالجة الفقر والعنوسة والتعليم وإيجاد آليات تنظيم القضاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسواق المال وغيرها كثير مما يشغل المواطن ويجعله يلهث خلف المجلس متأملاً إيجاد حلول لها يفترض أن يقدمها له هذا المجلس.

غالباً ما يتحدث العضو لدقائق محدودة ثم يوجه معالي الرئيس الكلمة لغيره من الأعضاء دون أن نرى أو نسمع رداً على مداخلة العضو التي سمعناها للتو، بل نذهب لنستمع للعضو الآخر والثالث والرابع والخامس حتى ينقضي الوقت دون إتخاذ قرار أو على الأقل دون أن نسمع نحن وغيرنا ممن يقبع تحت قبة منزله مشاهداً ما يجري في المجلس ومايتخذ فيه من قرارات. نعلم جيداً أن مجلس الشورى يعتبر بمثابة برلمان بل هذا ما يفترض أن يكون ويناط به من مهام على الأقل، كما قرأت وفهمت من موقع المجلس على الإنترنت، كما ونعلم أن أعضاء المجلس لايتم إنتخابهم بل يتم تعينهم بأوامر ملكية وبعوائد مالية محددة سلفاً لا تخفى على القارئ الكريم الذي يستطيع أن يدخل على موقع المجلس على الشبكة العنكبوتية ليرى ذلك، وكثير من مهام المجلس ودوره المفترض.

لكنني ومن باب الفضول تلك السمة اللعينة التي لازمتني كثيراً أجد نفسي عاجزاً عن إخفاء رغبتي بالكيفية التي يتم بموجبها اختيار أعضاء المجلس وبمعرفة خلفيتهم ومناسبتهم لما اختيروا له وخصوصاً أولئك الذين يشغلون مناصب إدارية داخل مجلس الشورى كرؤساء اللجان ونوابهم.

لابد لي أن أشير إلى أنني ممن استبشروا ولازالو خيراً كثيراً بإنشاء مجلس الشورى الذي تصورت أنه سيقوم بتقديم استشارته للحكومة الرشيده في معالجة قضايا الناس أكثر من توصياته بإتفاقيات وتوأمات مع دول في مجالات قد لا تخدم المواطنين فضلاً عن أننا نسمع عنها عبر نشرات الأخبار أو نقرأ عنها عبر صفحات الجرائد ولا نرى أو نشاهد كيف تم الوصول إلى ذلك رغم عدم أهميته بالنسبة للمواطن.

مايهم المواطن بحق هو تلك الموضوعات التي تؤرق مضجعه ليل نهار، تلك المشكلات التي يتم تداولها عبر المجالس العادية وعبر المنتديات وعبر الصحف والتي تمثل بعض مما ذكرت أعلاه، تلك الموضوعات المطروحة على الساعة ويشكو منها المواطن ويتمنى حلها أو على الأقل يتمنى الإلتفات لها.

لا أود الخوض فيما لا يعنيني لكن الأمانة الصحفية تتطلب أن أذكر بعض الأمثلة التي من شأنها أن توضح ما يرغب به المواطن وماهي النتائج التي كانت إلى عهد قريب مطلباً ملحاً للمواطن الذي كان يترقب بكل صبر ما سيخرج أو ما ستؤول إليه من قرارات، لقد استدعى المجلس في غير مناسبة عدداً من الوزراء لمساءلتهم، لاحظوا معي كلمة مساءلتهم، وكان طبعاً يرجى فعلاً تطبيق معاني تلك الكلمة حرفياً وخصوصاً من قبل تلك اللجان الإدارية داخل المجلس والتي يفترض أن اختيار أعضائها كان يتم بعناية فائقة بحسب خبراتهم بمعنى أنه لا يمكن أن يرأس لجنة اقتصادية أكاديمي في مجال الجفرافيا مثلاً، ولا أن يرأس لجنة العمل متخصص في المجال الدبلوماسي مثلاً، أقول استدعى المجلس عدداً من الوزراء الذين لم يتم مساءلتهم بقدر ما كان حضورهم لتمثيل الوزارة التي يقعون على رأس هرمها وربما قراءة خطة الوزارة على أبعد تقدير، إن لم يكن فقط إجابة على بعض استفسارات عدد محدود من أعضاء المجلس من غير ذوي الاختصاص.

وليت أن تلك المسائلة وإجابات بعض الوزراء التي تلامس حاجات المواطنين الملحة تتم علانيةً على مسمع القاصي والداني. والأدهى من ذلك أن المجلس يقوم بإجازة وإقرار بعض مقترحات الأعضاء أو حتى الوزراء تمهيداً لرفعها لمجلس الوزراء وهذه صلاحيات المجلس فقط كما فهمتها، حيث لا يحق له إصدار قرارات بمنأى عن مجلس الوزراء الذي يكون بالطبع الوزير الذي تم اقتراح ربما آلية أو خطة تخص وزارته وهو أحد أعضاء مجلس الوزراء، أقول إن الأدهى من ذلك أن يتم تجاهل تطبيق بعضاً من مقترحات المجلس التي أقرها مجلس الوزراء كقرار إنشاء مركز وطني للتوظيف يتبع وزير العمل مباشرةً لاعتراض وزارة الخدمة المدنية على سلم الرواتب ومصدره. كما وأن مساءلة بعض الوزراء يتم من خلالها تحميل المواطنين وزر قضايا شائكة لا أعلم حتى هذه اللحظة أن أحداً من أعضاء المجلس الكرام تكرم برفض ذلك بل مر مرور الكرام وكأن أعضاء المجلس الكرام يودون أن يتم إنهاء تلك المساءلة بأقصر الطرق وأسرع وقت.

ثم إن كان الأمر يتعلق بلجان معينة لم نر أو نسمع تدخلها بالموضوع ولعلي أشير هنا إلى تحميل معالي وزير العمل مسؤولية العمالة السائبة للمواطن، الأمر الذي لم يتدخل فيه مسؤول أو رئيس اللجنة الأمنية أو رئيس لجنة العمل في المجلس، على الأقل هذا تابعناه عبر الصحف الصادرة اليوم التالي لمساءلة معالي وزير العمل. فضلاً عن أحد لم يطرح على معاليه خطط الوزاره للتصدي للأعداد الهائلة من الشباب المقبل على العمل خلال السنوات القادمة والذي يفوق بأضعاف أعداد البطالة الحالية من البنين والبنات.

ما سقته سابقاً لم يعد كونه مثالاً فقط عن الآلية التي يتم بموجبها تطبيق ما يسمى بمساءلة وزير تمس وزارته حاجات ومستقبل احتياجات مجتمع بأكمله ويهمه ويؤرق مضجعه مشكلة قائمة اليوم ومشكلات ستحدث في الغد القريب. هناك عدد من الأسئلة التي نود سماع إجابات عليها، عدد من التساؤلات التي تدور في رأس كل مواطن لا زالت حاجته معلقة لدى إحدى الوزارات خصوصاً الخدمية منها، هناك تمنيات يود المواطن سماع أخبار عن تحقيقها؛ كالضرائب التي يدفعها لصالح شركة الكهرباء والماء والمرور والجوازات والاستقدام وجميع الخدمات تقريباً التي يستفيد منها المواطن. لماذا لا يكون هناك متحدث رسمي باسم المجلس يقوم بتلاوة ما حدث تحت قبة المجلس من قرارات تتعلق باحتياجات المواطنين بدل سماعه لخطب وكلمات منمقة تصدر عن بعض الأعضاء ممن أعطوا إذن التحدث ولا يتضمن في غالبية ما يتحدثون عنه تلك الاحتياجات.

المواطن يرغب في سماع ما يمسه وما يحقق له الرفاهية وخطط المجلس المستقبلية ونتائج مساءلة الوزراء وما تم تحقيقه في كل أسبوع أو بعد انعقاد جلسة للمجلس الموقر لا أن يستمع إلى خطب وكلمات رنانة لا تخاطب إطلاقاً جميع شرائح المجتمع بل تلك الفئة المثقفة التي تكاد لا تفهم حتى ما يراد من حديث مدته دقيقتان أو ثلاث لأحد أعضاء المجلس الموقر وحتى دون سماع قرار يتم اتخاذه على توصية قد يحالفنا الحظ لسماع مبادرتها من أحد أعضاء المجلس الكريم.

لماذا لا يقوم أحد الأعضاء الكرام بتوجيه من معالي رئيس المجلس بالتحدث نيابةً عن المجلس واختصار الساعات الطوال التي يقضيها المواطن في سماع تلك الخطب الرنانة، ويقوم ذلك المتحدث كما حدث ويحدث في معظم الجهات الرسمية الحكومية باختصار ما آل إليه المجلس من قرارات وتوصيات.

لماذا لا يتم دعوة عدد من المواطنين لحضور جلسات المجلس والسماح لهم بالمشاركة لطرح همومهم أو شكواهم أو لنقل تلك القضايا التي يودون مناقشتها داخل أروقة المجلس حتى على الأقل يشعر المواطن بوجوده وأن أعضاء المجلس الكرام يستمعون لهموم المواطن ومشكلاته.

نعم نعلم أن اختيار أعضاء المجلس يتم بموجب قرارات ملكية سامية ولا يتم التصويت داخل المجلس إلا على اختيار مساعد النائب للمجلس فقط، حتى النائب يتم تعيينه من قبل خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، لكن على الأقل، ليكن للمواطن حق المشاركة ولو على صعيد الموضوعات التي يرغب في طرحها ومناقشتها في المجلس.

وتأكدوا أن تلك المشكلات لن تكون فردية تخص مواطناً دون غيره، بل ستكون ظواهر سلبية متفاقمة يعيشها المجتمع بأكمله والذي تجاوز عدده العشرين مليون نسمة، والتي ربما يغفل عنها معظم أعضاء المجلس لعدم معايشتهم لها. وحسبي قول الله جل جلاله لنبيه عليه أفضل الصلاة والتسليم: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (159) سورة آل عمران، وقول سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه: ( المستشير معان، والمستشار مؤتمن).. وقول بشار:

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن

برأي نصيح أو نصيحة حازم

ولاتجعل الشورى عليك غضاضة

فإن الخوافي قوة للقوادم

وقد قيل: ينبغي أن يكون المستشار صحيح العلم، مهذب الرأي، فليس كل عالم يعرف الرأي الصائب، وكم ناقد في شيء ضعيف في غيره.

والله من وراء القصد..

dr.aobaid@gmail. Com


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد