تلك هي سنة الحياة يولد الإنسان ويتخذ مساره نحو تحصيله (العلمي) والبحث عن مصدر رزقه، وتختلف التوجهات محفوفة بالتوجيهات بداية من الأهل نحو مصادر الرزق في مناحي الحياة، وكلا كتب محياه ورزقه ومماته.
وما بين الحياة والممات هناك (معركة) بين البقاء والفناء بين السعادة والشقاوة، فالإنسان الذي تحصن ب (العلم) وانتفع به وعمل ونفع به الناس تكون هذه ميزة فريدة اختص به الله سبحانه وتعالى عباده من العالمين الذين وهبوا حياتهم في قضاء حوائج الناس في كافة الأعمال العلمية والعملية والخيرية وغيرها.
وكثيرون هم الذين أبدعوا في أعمالهم الإدارية والفنية، وكونوا ذخيرة من الخبرات الإدارية والفنية التي لايستهان بها، تحصلوا على علومهم وشهاداتهم التدريبية التي خلقت منهم الإداريين الأفذاذ، والفنيين المهرة، وانضوى تحت إداراتهم المئات من (الموظفين) الذين بدورهم أخذوا منهم (العلم) وتعلموه وعملوا به وعلموه وتقلدوا مناصب إدارية وفنية مرموقة كسالف رؤسائهم، ويتذكرون ويذكرون (الأوائل) الذين كانوا يعلمونهم ولا يعلونهم الذين غرسوا فيهم (النواة) الطيبة وكانوا لهم بمثابة الآباء وليس الرؤساء، في مواقع أعمالهم يرشدونهم ويوجهونهم ذلك التوجيه الحسن الصائب لكي يأخذوا نصيبهم من (العلم) في التعلم من معطيات الحياة العملية التي قوامها حسن السلوك والخلق الرفي وتعلم اللغات التي تخدمهم في أعمالهم وتسهل لهم سبل التدريب والتدرب في العمل الجماعي وعقد الاجتماعات الدورية وعملية الضبط والانضباط في العمل وخلق روح التنافس الشريف فيما بينهم تلك هي ميزة الرؤساء الناجحين في إداراتهم الذين تركوا بصماتهم واضحة وجلية حينما تقاعدوا وقد أوجدوا الأرضية الخصبة المنتجة بشريا وعمليا.
فمثل هؤلاء الرؤساء المتقاعدين الذين غادروا أعمالهم طوعا وكرها! طوعا (للسن القانونية)، بموجب نظام الخدمة المدنية الذي لم يكن يوما بصالح (الموظف) بقدر ما هو ضده، والأمثلة كثيرة لاتحصر! فهم مازالوا قادرين على العطاء في أعمالهم فبنياتهم قوية وهممهم أقوى لجانب خبراتهم العملية الطويلة المتجددة والجديدة التي أضفت على إداراتهم في سنوات عطائهم النظام والدقة والإنتاجية.
وما كان أحوجنا إليهم، وليتنا تمكنا من الارتباط بهم ولو على مستوى (الاستشارة) بهم (للاستنارة) بأفكارهم وخبراتهم، ولكن لكونهم يذهبون بهذه الطريقة دون الاستفادة، فهذا هو العقوق المبيت والكره المقيت من الذين أتوا بعدهم ليتنصلوا من ماض يعتبرونه انتهى، وما خبروا أن من لاماضي له لاحا ضر ولا مستقبل له.
حقيقة أن الحياة تبدأ بعد (الستين) إنها الخبرة والهدوء والرزانة والاتزان في القول والعمل، فمن هو في مثلهم يحتاج للهدوء والعمل الصامت الخلاق، ولا نذهب بعيدا حينما نطالع حياة الأوربيين والآسيويين وغيرهم من الشعوب المتقدمة حين يكون الهدوء سمتهم، والعمل عبادتهم والتنافس ديدنهم والإنتاجية هي بحر زاخر من صنوف البضائع التي تصلنا من مصانعهم التي ليس لنا غناء عنها.
ويوجد لدينا الكثير من المصانع المحدودة والشركات المحدودة التي يعمل بها الكثير من هؤلاء الأوربيين والآسيويين وغيرهم، ويتقاضون المرتبات الضخمة والامتيازات الفخمة ويحولون لبلدانهم المليارات في كل عام، ونبقى في حاجة دائمة لهم، وطالما يوجد لدينا الآلاف من أبناء البلد المتقاعدين والقاعدين وذوي الخبرات الطويلة، لماذا لايستفاد منهم بدلاً من هؤلاء الذين يشكلون التحكم في مفاصل حياتنا (العملية) والذين لو فتشنا في شهاداتهم وخبراتهم لوجدنا أن بعضا منهم لا يستحق مرتب (خادمة أو سائق) لدينا بينما لدى شبابنا من الشهادات والخبرات ما يفوق هؤلاء بكثير، وإنني أهيب بوزارتي العمل والخدمة المدنية، والمؤسسة العامة للتقاعد أن يتم (دراسة) مثل هذه الحالة وتكليف (الجمعية الوطنية للمتقاعدين) للتنسيق في تسويق خدمات وتشغيل هؤلاء (المتقاعدين والقاعدين) تحت إشراف وزارة العمل ومؤسسة التقاعد الذين لديهم رغبة في العمل لدى هذه الشركات والبنوك والمصارف والمصانع، وسن قوانين رادعة لمن لم يمتثل لتعليمات وزارة العمل والمؤسسة العامة للتقاعد، وبهذه الطريقة سيعمل المتقاعدون والقاعدون، وربما أيضا تنتقي (البطالة) التي نراها ونعاني منها في إيجاد فرص العمل لأبنائنا وبناتنا الذين حفيت أقدامهم وجفت عروقهم وهم يلهثون وراء هذه الشركات والبنوك والمصارف والمستشفيات التي تغص بخبراء الغفلة الذين مازالوا يعتبروننا شعب (البتر ودولار) وما خبروا أن لدينا من أبناء وبنات الوطن من ذوي العقول المتعلمة من الأطباء والمهندسين والمعلمين والمعلمات والخبراء ما يقارب الاكتفاء الذاتي، في حالة لو تم تشغيل البقية الباقية من هذه الخبرات العلمية.
وإنه لمن المؤسف أن تكون هناك (جمعية للمتقاعدين) ولا تفعل بحق وحقيقة حتى تفي بمتطلبات المتقاعدين والقاعدين كما ينبغي منها أنها بحاجة للمساندة مادياً ومعنوياً من الدولة، وقد قصرت وزارتا العمل والخدمة المدنية، والمؤسسة العامة للتقاعد، في مساندتها فكيف نريدها أن تنهض وهي الحديثة الولادة، ولم يكن لدينا مثل هذه المؤسسات الخدماتية التي تهم أكبر شريحة من المجتمع، إلا يعلم المسؤولون الممسكون بزمام الأمور بالوزارات وكبار الموظفين ومن هو حسبتهم بأن الدور آت عليهم وسيكونون يوما ما متقاعدين ويحتاجون لمثل هذه الخدمات الا ينتبهون لأهمية (جمعية المتقاعدين) الذين سيفتشون عنها يوما ما ولا يجدون من يعتني بشؤونهم.
ويحز في نفسي هؤلاء الشباب من الموظفين الذين فرحوا بالتقاعد المبكر، وخرج الكثير منهم وخدماتهم لم تتجاوز الثانية والعشرين عاما، تركوا أعمالهم طمعا بمكافأة الخدمة ورغبة في تجربة العمل الحر.. وحينما انداحت الشهور متتالية وخسروا (تحويشة) العمر، ولم يبق لهم غير المرتب التقاعدي الضئيل.
وقد سقطت منه كل الميزات والفوائد لم تعد مرتباتهم تسد رمق عائلاتهم بعد موجة ارتفاع الأسعار في كل شيء، فبدأ الكثير منهم يبحث عن العمل من أجل زيادة مدخراتهم الأسرية، فقد كانت المضاربة بالأسهم وفوائد البنوك أكبر كارثة عليهم.
إنهم الموظفون القاعدون.. وهذا ما كنت أعنيه ب (القاعدين) فإنني ألتمس العذر لهم، وأتلمس الحل لهم، بعد تدني مرتباتهم التقاعدية وتدني مستواهم المعيشي، بألا تترك الحال على ماهي عليه فيجب على وزارة العمل والمؤسسة العامة للتقاعد أن تفعل شيئا حيالهم مثلما ذكر عاليه، وكذلك عليهم أي القاعدون التنازل عن بعض الفخفخة كالسفر والاستدانة من البنوك، والاستغناء كلية عن خدم المنازل والسائقين الذين ضررهم أكثر من نفعهم، وهو الأمر الذي شجع نساءنا اقتناء بدل الخادمة اثنتين وبدل السائق اثنين، فنساؤنا اللاتي تركن العمل لخادمات المنازل، ورأينا من الخدم المهازل، بل النوازل من مشاكلهم من الهروب والسرقة والجريمة في عقر دارنا، وأعرف مسبقا بأن اقتراحي هذا سيلاقي قبولا منكم من أجل تخفيف سقف التكاليف المنزلية المالية المترتبة عليكم، ولا يعجب الزوجات اللاتي تعودن على خدمة غيرهم والجلوس والنوم وتربية (الشحوم) الضارة، فلو تحركن وعملن لكان هذا لأزواجهن وأبنائهن بل لأنفسهن هو الأفضل، فدوام الحال من المحال.
twarin.h.i.@hotmail.com