Al Jazirah NewsPaper Thursday  02/10/2008 G Issue 13153
الخميس 03 شوال 1429   العدد  13153

ليست مستحيلة، لكن كيف؟
عبد الله إبراهيم حمد البريدي

 

يقول أحد الشعراء:

لما رأيت بني الزمان وما بهم

خل وفي للشدائد اصطفى

فعلمت أن المستحيل ثلاثة

الغول والعنقاء والخل الوفي

فهذا الشاعر جعل المستحيلات ثلاثة، ولا حاجة لي لشرح البيتين فهما في غنى عن الشرح، وأخاف إن حاولت شرحهما أن أقع في فخ (وفسّر الماء بعد الجهد بالماء).

لكن هناك مَن يخالف هذا الشاعر في عدد المستحيلات، فهي عند الكثير خصوصاً هذه الأيام تزيد عن الثلاثة، وقد تصل إلى عشرة، لكني سأتطرق إلى ما يراه البعض على رأس المستحيلات وهي (السعادة)!

فهل السعادة أصبحت من الصعوبة بحيث أنها أدرجت ضمن قائمة المستحيلات؟

إن رأى البعض أن المال هو أس السعادة، فهم واهمون.

وإن رأى آخرون أن السعادة تكمن في كثرة الأولاد فهم أكثر وهماً!

أما إن رآها البعض في السلطة والجاه فهم أبعد في توهمهم وأعمق!

وكذلك مَن ظن أن السعادة في توفر ما سبق لدى الإنسان فهو يسبح في الوهم سباحة!!

ولعل في قصة ميسون بنت بحدل الكلبية ما يُغني عن كثير من القول، ذلكم أن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - تزوّج ميسون وكانت ذات جمال وحسب ونسب، فأسكنها في قصر منيف فيه الخدم والحشم وكل ما يخطر في البال من نعم.

وذات يوم تذكّرت قومها ومسقط رأسها، وبيئتها البسيطة وبساطة العيش فيها فتنهدت ثم أنشدت أبياتاً منها:

لبيت تخفق الأرواح فيه

أحب إليّ من قصر منيف

ولبس عباءة وتقرّ عيني

أحب إليّ من لبس الشفوف

وأكل كسيرة في كسر بيتي

أحب إليّ من أكل الرغيف

وأصوات الرياح بكل فج

أحب إليّ من نقر الدفوف

وكلب ينبح الطرّاق دوني

أحب إليّ من قط أليف

وبكر يتبع الأظعان صعب

أحب إليّ من بعل زفوف

وخرق من بني عمي نحيف

أحب إليّ من علج عنوف

خشونة عيشتي في البدو أشهى

إلى نفسي من العيش الطريف

فلما جاء معاوية رضي الله عنه أخبرته إحدى الوصيفات بقول ميسون فقال: ما رضيت ابنة بحدل حتى جعلتني علجاً عنوفاً؟ فطلقها.

إذاً - وبعد كل ما سبق - سوف يطرح السؤال القديم الحديث، والذي احتارت الملايين في إجابته، ولم يعرفها إلا القلة الذين سعدوا في دنياهم، فمن هم هؤلاء السعداء الذين اكتشفوا (تركيبة السعادة)، أو عرفوا إكسير السعادة؟

لنعرف من بعدها هذه التركيبة أو سر السعادة؟

إ نه الرضا بما قسم الله للمرء، أو إنها القناعة بما لدى المرء من كل شيء.

فقد قال الهادي البشير صلوات الله وسلامه عليه:

(قد أفلح من هدي إلى الإسلام ورزق الكفاف وقنع).

ويشرحها من زاوية أخرى حديث آخر لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث قال:

(من بات آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها).

كذلك من أسس وقواعد وأعمدة السعادة: صفاء السرائر أي القلوب، وخلوها من الحسد والحقد والغل.

فالرجل الذي قال الرسول صلى الله عليه وسلم عنه: يدخل عليكم رجل من أهل الجنة، عندما سأله رجل عن أعماله العظيمة والكثيرة والجليلة التي جعلت محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يشهد له بالجنة، بماذا أجاب؟

لقد كان عمله عظيماً وجليلاً، وسهلاً على من سهّله الله عليه، فقد قال: (أما إن سألتني عن عملي، فوالله الذي لا إله إلا هو إني أبيت وليس في صدري لأحد من الناس غش ولا غل).

فهذا لعمري لم يحصل على السعادة الدنيوية فقط، بل تجاوزها إلى السعادة الأخروية، وهي دخول الجنة والنجاة من النار. إذاً بالقناعة والرضا بقسمة الله تعالى وبصفاء السريرة تتحقق السعادة، فما أبسطها وأيسرها من أمور على قلة من الناس، وما أصعبها وأبعدها عن كثير من الناس. ولا تنس عزيزي القارئ أن القلة هم السعداء والكثير هم الأشقياء في كل زمان ومكان، جعلني الله وإياك من السعداء في الدارين.

ومضة:

يقول الشافعي رحمه الله:

ولست أرى السعادة جمع مال

ولكن التقي هو السعيد

وتقوى الله خير الزاد ذخراً

وعند الله للأتقى مزيد

Al-boraidi@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد