إن الخيرة للعبد فيما اختار له ربه فإنه أعلم به منه وأرحم به من أمه التي ولدته، فما للعبد إلا أن يرضى بحكم ربه ويفوِّض الأمر إليه ويكتفي بكفاية ربه وخالقه ومولاه ومن عرف حسن اختيار الله لعبده هانت عليه المصائب واستبشر بما حصل ثقة بلطف الله وكرمه وحسن اختياره، حينها يذهب حزنه وضيق صدره ويُسلِّم الأمر لربه جل في علاه ويعبر ويشكر من قضاء وقدر، فأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأعلم العالمين الذي هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم ومن آبائهم وأمهاتهم إذا أنزل بهم ما يكرهون كان خيراً لهم فهو سبحانه وتعالى تولى تدبير أمورهم بموجب علمه وحكمته ورحمته فمتى ظفر العبد بهذه المعرفة سكن في الدنيا قبل الآخرة في جنة، فالرضا جنة الدنيا ومستراح العارفين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ولد العبد، قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: فماذا قال عبدي: فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد)، فخلال شهر رمضان الكريم فقدت شقراء وفقدنا الشاب الغالي (تركي بن ناصر السيحاني) ابن الثلاثة عشر ربيعاً، بعد أن دخل في غيبوبة عشرين يوماً نتيجة حادث أليم بمدينة شقراء، فلم نفقده لأجل قرابة النسب التي تربطنا به وعائلته، لكن فقدنا شاباً صغيراً بعمره كبيراً بعقله تفوق على أقرانه بالخلق الرفيع والأسلوب الجميل والحياء الذي يتزين به -رحمه الله-.. فقد حظي بتربية مثالية من قبل والديه كما حظي بها بقية إخوته، فكان لتربية والديه له الأثر الأكبر في أسلوب تعامله المميز مع من يعاشرهم ومع معلميه وزملائه الطلاب وأصدقائه وجميع عارفيه، فكان لخبر حادثه ووفاته حزن شديد لدى الجميع، فالحمد لله سبحانه وتعالى فهو يقضي ويمضي فله القضاء والإمضاء، فصبراً يا أبا تركي وصبراً.. يا أم تركي فللعبد رب هو ملاقيه ولكم البشرى التي قال عنها الله عز وجل: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، (البقرة 155)، فالدنيا مجاز والآخرة وطن والمحنة عمرها أقصر من النعمة وأجرها أكبر من العافية، (روي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رجلاً كان يجيء بصبي له معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن الغلام توفي، فاحتبس والده، فلما فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عنه فقالوا: يا رسول الله مات صبيه الذي رأيته، قال: (فهلا آذنتموني به قوموا إلى أخينا نعزه) فلما دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجل حزين وبه كآبة فقال: يا رسول الله إني كنت أرجوه لكبر سني وضعفي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما يسرك أن تأتي يوم القيامة فيُقال له ادخل الجنة فيقول: يا رب أبواي فيُقال له: ادخل الجنة ثلاث مرات، فلا يزال يشفع حتى يشفعه الله تعالى ويدخلكم الجنة جميعاً؟) رواه النسائي والحاكم، فالرضا بستان العبودية الأخضر ومستنزل الرحمة والاطمئنان لحسن الاختيار، فرحم الله الشاب تركي وأسكنه الجنان..
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
- شقراء