لقد ارتبطت الاستعانة بالعمالة بالتغير الاجتماعي الذي لحق بنا في أعقاب الطفرة، وحتمية التوجه إلى التخطيط لكافة الأنساق مما يؤهل لدعم إمكانات ومجالات ومصادر النهضة الحديثة في المجتمع السعودي.
وقد دعى ذلك إلى وضع مخططات التنمية الوطنية الخمسية والتي ترتب عليها إحداث تغيرات في النسق الاقتصادي والاجتماعي مما أدى إلى تعظيم الطلب على العمالة القادرة على الوفاء بمتطلبات التنمية من الكوادر وأصحاب الخبرة والمهارة في المجالات العملية والمهارية والتقنية الذين يمكنهم المشاركة في إنجاز الخطط التنموية وتحقيق مراميها الإستراتيجية.
ومما يجدر التنويه إليه أن هذه الكوادر العلمية والفنية لم تكن متوافرة في ذلك الحين مما أدى إلى طلب الاستعانة بقوى بشرية ذات اختصاص في مجالات وميادين عمل مختلفة سواء من دول المحيط أو الخارجة عنه، المهم هو أن تكون مدربة ومؤهلة ولديها الخبرة التي لم تكن متوافرة في العمالة الوطنية.
وللحق وللحقيقة فإن العمالة التي تم استقدامها ساهمت في استحقاقات التنمية خصوصاً وأن حجم العمالة الوطنية لا يكفي لتحمل متطلبات وأعباء التنمية فضلاً عن أن إعداد وتأهيل هذه العمالة يستغرق وقتا طويلا - نسبيا - وأن تكلفتها عالية وخبرتها ومهارتها محدودة لا يمكنها التعامل مع تلك المهام والمشروعات والبرامج التي تضمنتها خطط التنمية.
ولذلك فقط تنبه الجهاز التخطيطي بدءا من خطة التنمية الوطنية الرابعة (1405 - 1410هـ) إلى ضرورة الربط بين السياسات التعليمية واحتياجات سوق العمل والأنشطة المجالية المتطورة مما تتطلب معه إحداث التوازن بين التعليم الأكاديمي والتعليم الفني (متنوع المجالات) وكذلك التوازن بين العمالة الوطنية ومتطلبات التنمية، وأيضا بين تأهيل الكوادر السعودية، وإحلالها محل العمالة الوافدة. وقد تم السير في هذا المنحنى اعتبارا من خطة التنمية الوطنية الخامسة (1410-1415هـ) حيث دخل سوق العمل ما يقيد بـ(574.800) حسب تقرير وزارة التخطيط (1410هـ) التحقق منهم بالعمل في القطاعات الخدمية والإنتاجية ما يقارب (213.500) وقد تحقق فائض من العمالة السعودية ما يقارب (220.400) مما يتوجب معه ضرورة الاستغناء عن العمالة الأجنبية بنفس القدر لإتاحة فرص عمل لتشغيل العمالة السعودية. ومهما كانت إيجابيات العمالة الوافدة والتي تتمثل في استجابتها للعمل تحت أي ظروف مكانية أو زمنية وهي قليلة التكلفة على الرغم من كفاءتها وخبراتها وانضباطها في العمل والتزامها بقواعده، وتخصصاتها المتنوعة ومستويات أجورها فهي أقل بكثير عن مثيلتها الوطنية وهي أكثر تمسكا بقيم العمل وسلوكياته وضوابطه.وعلى الرغم من اتساع مساحة قيم المجتمع ومسلكيات أفراده ومسؤوليات العمل ومهامه، وبيئة العمل ومناخه، والتخصص المهني ومهاراته وغيرها من مميزات وإيجابيات إلا أن للعمالة الوافدة سلبيات لا نستطيع النأي عنها أو تغافلها إلا أننا سنؤكد على ما نراه منها أكثر خطورة على الأمن المجتمعي.. ويأتي في المرتبة الأولى: التباين الشديد في اللغة واللهجة والثقافة مما جعلها جماعات عشوائية غير قادرة على الاندماج في بنية المجتمع مما يشعرها بالاغتراب ومن ثم فاللانتماء ومردوده هو الإقبال على أي عمل وأي سلوك وبغيتها الكسب السريع، ولذا فهي تستغل أداء أي عمل أخلاقي كان أو لا أخلاقي المهم هو زيادة حجم التحويلات والخروج بأكبر مدخرات ممكنة فضلا عن سلبيات أخرى أذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر ويأتي في المرتبة الأولى: الخلط في المفهومات والاتجاهات الثقافية وإدخال بعض العادات في الممارسة العملية تختلف عن ثقافة مجتمعنا المسلم، بالإضافة إلى ذلك المزج اللغوي خاصة لدى صغار السن الذين بدأت تلوكه ألسنتهم والإتيان بممارسات سلوكية تعرف في ثقافتنا بأنها سلوكيات لا سوية.
ومن الممكن أن تؤثر هذه السلوكيات على شبابنا نتيجة الاختلاط في العمل أو الجيرة مع الوضع في الاعتبار أن السلوك المنحرف مكتسب عن طريق التعلم والتقليد وإشباع الرغبات (خبرة اجتماعية).
وبناء عليه نقول إن هذه السلوكيات اللاسوية تعوق مسيرة التنمية أو تؤثر بالسلب في حركتها أو تهدد أمن الوطن ومصلحة المواطنين، وليس غريبا القول إن العمالة الوافدة تمثل تحديا اجتماعيا وتهديدا للهوية الثقافية وتشكل عبئا اقتصاديا على المجتمع.
إن الحجم الأكبر من هذه العمالة يعمل في الورش والمصانع الخاصة ويحكم طول وساعات العمل واتباع نظام الورديات، وأن هذه الورش والمصانع مقامة في أماكن بعيدة جدا عن الإعمار فهم يعيشون في مناطق قريبة من العمل حيث يشكلون تجمعات سكنية تتسم بالفئوية (هنود - أفغان - فلبين - أفارقة - باكستانيين - بنغاليين وغيرها) وتعج هذه المجتمعات بالمخالفات والمخاطر. وما من سبيل لتفادي هذه المخاطر إلا بإحلال السعوديين في مجالات العمل المختلفة حتى لو كانت بتكلفة أكثر وفائدتها للمجتمع أكبر.. ولعله مناسبا القول بضرورة دعم مراكز التدريب المهني والمعاهد التقنية والتأكيد على مؤسسة التعليم الفني بالاهتمام بالتخصصات التي يحتاجها سوق العمل مع متابعة تشغيل الخريجين.