من حين لآخر يكتوي كل منا بنار الحزن والألم، في أزمنة مختلفة، وأجواء يجللها الشعور بالأسى في كل مرة نمر في مثل هذا الحال، حيث يصاحبها تأثرنا بما آل إليه حالنا في ظل ما مسنا من فواجع، أو كان مصدراً وسبباً لكل هذا الانكسار.
***
وأمس غاب عن مسرح الحياة ومن رفقتنا وتواصلنا.. زميل عزيز وصديق وفي وحبيب كان ذا وفاء وصدق، وإنساناً كان يملك قلباً شفافاً لا يحمل لغيره غير الحب، وقلماً أخضر سيالاً يعبر عن مخزون هائل وكبير من الكلمات الجميلة التي ظل يطل بها ومن خلالها على قرائه ومحبيه على مدى نصف قرن أو أكثر.
***
هذا هو الأستاذ عبدالله عبدالرحمن الجفري الكاتب والروائي والصحفي وابن المشروع الثقافي التنويري الذي مات أمس بعد معاناة مع مرض لازمه طويلاً، فلم يستطع أن يوقف المرض -رغم قساوته- حضور قلمه وكلمته وتواصله ومحبته لكل الناس، إلى أن وافاه الأجل أمس بعد رحلة مشرفة وطويلة في عام الكلمة والرأي.
***
لقد كان أبو وجدي صاحب نفس طويل في الكتابة، مارسها صحفياً وثقافياً، في إبداع وتميز، وظل وفياً لمبادئه وقناعاته، ونموذجاً يحتذى في منهجه وخطه وأسلوبه، وقد سار على خطى أستاذه ومعلمه المرحوم الأستاذ محمد حسين زيدان الذي كان يرى فيه قدوته، ويعتز بأبوته، ويتحدث إلى أن مات عن أنه استلهم من توجيهاته الكثير مما أثرى به الثقافة العربية.
***
وإذ نفقده، وإذ نخسر قلمه، ويغيب مشهده في الحياة، فإنما نفقد قلماً رومانسياً رشيقاً، كما نفقد حالة قد لا تتكرر في عالم الكتابة العاطفية التي مزجها بحس وطني وقومي، ومشاركة وجدانية واجتماعية قل أن يتقن كاتب آخر تناولها بمثل ما كان يجيد ذلك الغائب الحاضر عبدالله الجفري.
***
إن غياب أبي وجدي، وإن خسرته أسرته وأبناؤه وعالمه الصغير، فإن الخسارة الفادحة والكبرى إنما هي على مستوى الثقافة العربية، وتحديداً على مستوى الفكر والثقافة السعودية، فقد ناضل في حياته من أجل ترسيخ الكلمة المموسقة الشاعرية الجميلة في عالم ساد فيه الغث من الكلمات للأدعياء، بعد أن اخترقه المندسون وهم كثر، لتشكل وفاته غياب أحد ملاك الكلمة الجسورة والرأي المنصف والأسلوب الجميل القادرة على ولوج كل أطياف الثقافة بمهارة وثقافة واسعة.
***
إننا إذ نعبر عن حزننا الكبير في وفاة أحد رموز الفكر والثقافة والكلمة الرصينة في بلادنا، لنبتهل إلى الله العزيز المقتدر أن ينعم عليه برحمته ومغفرته، وأن يسكنه في مسكن المبشرين بالجنة، وأن يلهم أهله وذويه وقراءه ومحبيه الصبر والسلوان.