تأليف: محمد رجب السامرائي - قراءة - حنان بنت عبدالعزيز آل سيف (بنت الأعشى) |
يوم العيد هو يوم البهجة والفرحة والحبور والمرح، فيه يلتقي الأعزاء، ويتعانق الأحباء، ويفرح الأصدقاء، العيد هو يوم نجدد فيه آمالنا، ونحقق فيه أحلامنا، ونصبو فيه إلى طموحاتنا، من خلاله نطمح السعادة ونثري الصداقة، ونحوز على الابتسامة، وندرك الجمال ونبتهج بالحياة، كيف لا؟ وهو يوم عظيم جليل يستضيف فيه الرحمن جلّ في علاه خلقه وعبيده، فهم في حرزه وحصنه وجنته، يباهي بهم سائر خلقه، فهم في جلاء وبهاء، وجوه الناس فيه نضرة، وقلوبهم فرحة، فأي يوم أفضل منه؟ وأي يوم أحسن منه؟ وأي يوم نبتهج فيه، في العيد يتجدد كل شيء، الروح والعقل والقلب والسمع والبصر، العيد هو الروحانية والأريحية والسكينة والطمأنينة وهو على كل حال إطلاق الروح، وتحرير النفس، وعتق القلوب من صدأ خيّم عليها، وغبار جثم عليها، وللمسلمين فيه فرحة وبه سعادة وأي سعادة، ويمثل فرحهم ومرحهم وحبورهم عادات وتقاليد يزاولونها فيه، بل هي كالفرائض والسنن الرواتب، وقد جاء المفكر الإسلامي الأستاذ محمد رجب السامرائي ليتحف أذواقنا، ويحلي أرواحنا، بكتاب جدا فريد ومفيد، يحكي لنا فيه شيئا بل أشياء من عادات العرب والمسلمين، وذلك في كتاب النضر الذي أسلفت لك عنوانه قبل برهة قصيرة، ولمحة سريعة، والطبعة الواقعة بين ناظري هي طبعة عام (1423 - 2002م) وتقع في 130 ورقة من القطع المتوسط، وهو كتاب من يراع نادي التراث الإماراتي، وسعى من خلاله إلى جمع مفردات وصور من التراث العربي والإسلامي ليكون مرجعا ميسورا بين يدي الجميع، وليمد جسور التواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل، يقول المؤلف في نهاية مقدمته الناظرة، ما نصه: (نأمل ان نكون قد أوضحنا صورة قريبة لهذه الاحتفالات الشعبية في عموم الدول العربية لشهر رمضان وعيد الفطر رغم التشابه بينها لأن هناك رابطا يجمعها كالدين الإسلامي ولغة القرآن المعجز، والتاريخ المشترك والقرب بين الدول العربية كافة.. وكل عام وأنتم بخير) وبعد هذه المقدمة الوافية يشرع المؤلف في سرد عادات وتقاليد العرب خاصة، والمسلمين عامة، وقد استرسل واشتمل حديثه عن هذه العادات العربية، والتقاليد التراثية، في كتاب ضم بين دفتيه مقدمة وتمهيدا وثلاثة فصول: الفصل الأول: (رمضان والعيد في الخليج و(الجزيرة العربية)، والفصل الثاني عن (رمضان والعيد في بلاد الشام) والفصل الثالث لكتاب هو (رمضان والعيد في إفريقية وبلاد المغرب العربي) هذا وقد رسم الكتاب بأجمله عادات أصيلة، وتقاليد عربية ما زال الناس يتمسكون بها رغم تقادم السنين، وهي على سبيل المثال لا الحصر في كل من الإمارات، والسعودية وقطر والبحرين والكويت وعمان والعراق واليمن وسورية ولبنان والأردن وفلسطين ومصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب والصومال، وموريتانيا وجيبوتي. وعلّ القارئ لهذه القراءة المتواضعة يدرك ما بذله المؤلف من جهد جهيد في البحث والتنقيب عن عادات دول، وتقاليد أزمنة، لها عمق جغرافي وتاريخي عميق، يمتد من الخليج العربي وصولا إلى المحيط الأطلسي بمدنه وقراه، وبتنوع لهجاته وبيئاته وتضاريسه، مما أدى إلى الانعكاس على طبيعة عادات وتقاليد الناس، وعلى سبيل الاجمال يعرض الكتاب ما بقي في ذاكرة الناس إلى اليوم الذين يصورون فيه العيد بملامح تراثية نابعة من جذورهم الأصيلة، ولندع - أيها القارئ الكريم - الكتاب يقدم نفسه بنفسه، ويتحدث عن ذاته بذاته فيقول: (دبج الكتاب العرب مقوطعات نثرية، أشادوا فيها إلى وداع الشهر الفضيل فكتب أحدهم قائلاً (يا شهر رمضان أين أرباب القيام؟ أين المجتهدون في جنح الظلام؟ أين الذين يهجرون المنام؟ وتمنوا لو كان رمضان على الدوام ذهبوا إلا قليلا منهم فعليهم السلام، كانوا قليلا من الليل يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون)، وأشار أحد الشعراء العرب في قصيدته كيف سيكون مآل الصائمين عندما يودعون أيام رمضان، فهل ستقبل أعمالهم أم لا؟ قائلاً: |
أيّ شهر قد تولى |
يا عباد الله عنا |
حقّ أن نبكي عليه |
بدماء لو عقلنا |
كيف لا نبكي لشهر |
مرّ بالغفلة عنا |
ثم لا نعلم إنا |
قد قُبلنا أو طُردنا |
ليت شعري من هو المح |
روم والمطرود منا |
ومن المقبول ممن |
صائم منا فتهنا |
ووردت في رحلة ابن بطوطة عادة أهل مكة خلال شهر شوال فقال في ذلك: (عادتهم في شوال، وهو مفتتح أشهر الحج المعلومات، بأن يوقودوا المشاعل ليلة استهلاله، ويسرجوا المصابيح والشمع على نحو فعلهم في ليلة سبع وعشرين من رمضان، وتوقد السرج في الصوامع من جميع جهاتها، ويوقد سطح الحرم كله، وسطح المسجد بأعلى أبي متيبس - جبل بمكة - وقيم المؤذنون ليلتهم في تهليل وتكبير وتسبيح، والناس ما بين طواف وصلاة وذكر ودعاء، فإذا صلّوا صلاة الصبح أخذوا في أهبة العيد، ولبسوا أحسن ثيابهم، وبادروا لأخذ مجالسهم بالحرم الشريف به يصلون صلاة العيد لأنه لا موضع أفضل منه) وعن مراسم استقبال العيد في المملكة العربية السعودية يقول المؤلف ما نصه: (تم استعداد الناس لاستقبال عيد الفطر في المدن السعودية بعد ان يودعوا الشهر الفضيل، حيث تبدأ مظاهر الزينة واضحة المعالم في الأماكن العامة، وفي البيوت إذ تقوم النساء بتنظيف البيوت وتجميلها لاستقبال ضيوف العيد وتهيئة بعض الحلويات مثل المشبك والحلقوم والعصير الذي يقدم للضيوف، ويتناول الناس التمر ويشربون القهوة قبل التوجه لأداء صلاة العيد في الحرمين المكي، المدني، ويرتدن الثياب البيض والشماغ الأحمر، ويهنئ الواحد الآخر خلال الفترة الصباحية من أول أيام العيد، بعدها يتوجهون إلى البيت الكبير - بيت الجد والجدة، ليعايدوهم ويبقى البعض ليبدأوا فطورهم، ويحصل الاطفال خلال الزيارة على العيدية من الجميع وهم يلبسون ملابسهم الجديدة، أما الآخرون فيعودون إلى منازلهم لتناول اللحم المشوي، ويجلس الرجال في مجلس منفصل عن النساء، الذي يضم عادة العائلة والإخوة والأخوات وعوائلهم كافة، ويتألف طعام الغداء من القطع ويوضع فوق العيش في صحن كبير، يبدأ بتناول الغداء كبار السن أولاً، وعندما ينتهون يأتي الأصغر سناً ثم الأصغر، ثم يخرج الناس بعد فترة العصر إلى الأماكن المفتوحة حيث أماكن اللهو البريء) وأما العبد في عمان له طابع عربي تراثي آخر، فالناس يقومون بالتهيئة لأعداد الحلقة أو الهبطة التي يقيمونها في العشر الأواخر من رمضان ويقيمونها في كل ولاية أو بلدة والحلقة أو الهبطة هي عبارة عن تجمع تجاري كبير في الأماكن المفتوحة تعرض في أماكن مخصصة فيه للمواشي واللحوم التي تباع بالمزاد وآخر للملابس والحلوى العمانية المشهورة، ويقام في الحلقة أو الهبطة سباقات للهجن - الإبل - وللخيول في الفترة الصباحية. |
وتستعد المدن والقرى في اليمن استعداداتها للاحتفال بعيد الفطر السعيد، وهناك اختلاف في العادات والتقاليد من مدينة إلى أخرى، فتقاليد اليمنيين تبدأ باستقبال العيد قبل عشرة أيام ومن تلك الظاهر انشغال الصغار والكبار بجمع الحطب ووضعه على هيئة أكوام عالية، ليتم حرقها ليلة العيد تعبيرا عن فرحتهم بقدوم عيد الفطر السعيد وحزنا على فراق أيام رمضان المباركة وفي مصر ينتظر الأطفال قبل مجيء عيد الفطر عودة والديهم الذين يقدمون لهم ما اشتروه لهم من ملابس للعيد، ويلاحظ الازدحام على أشده قبل حلول العيد في جميع المخابز لأنها تستعد لعمل الكحك (الكعك) والكحك سمة من سمات ومظاهر العيد في مصر، حيث تتفنن النساء في عمله مع الفطائر الأخرى والمعجنات والحلويات التي تقدم للضيوف، هذا ويذكر بأن صناعة الكعك اليوم في مصر عن الماضي، مما يؤكد أن صناعته اليوم امتداد للتقاليد الموروثة، فقد وردت صور كثيرة عن صناعة كعك العيد في مقابر طيبة، ومنف، ومن بينها ما عثر على جدران مقبرة رخمي - رع من الأسرة الثامنة عشر إذ تبين كيف كان عسل النحل يخلط بالسمن ويقلب على النار، ثم يصب على الدقيق ويقلب حتى يتحول إلى عجينة يسهل تشكيلها بالأشكال المطلوبة، ثم يرص على ألواح من الإردواز ويوضع في الأفران كما كانت بعض الأنواع تقلى في السمن والزيت، لقد كان المصريون القدامى يشكلون الكعك على هيئة أقراص بمختلف الأشكال الهندسية ذات الزخارف، كما كان بعضهم يصنع الكعك على شكل حيوانات أو أوراق الشجر وبعض الزهور، وغالبا ما كان الكعك يحشى بالتمر المجفف - العجوة - أو التين ثم يقومون بزخرفته بالفواكه المجففة مثل: النبق أو الزبيب، وكانوا يصنعون الكعك أو الفطير عند زيارتهم المقابر في الأعياد، والمعروف محليا بالشريك، لاستخدامه كتميمة ست - عقدة إيزيس، وهي من التمائم السحرية ذات المغزى الأسطوري بحسب معتقداتهم القديمة والخاطئة. ومن مظاهر العيد في مصر أيضا خروج النساء السيناويات بالثياب الجديدة المطرزة، حيث يضعن الحناء على أيديهن ويلففنها حتى الصباح وهن يغنين: |
العيد قالوا الليلة |
بشر أم قذيلة |
العيد قالوا باكر |
بشر أم أساور |
وتستحث الفتيات عيد الفطر على القدوم وهن ينشدن قائلات: |
قدم للبنات قدم |
يا عيد رمضان |
على رمضان متندم |
عيد الضحايا |
وعن العيد في ليبيا ورد في الكتاب شيء عنه، فالأولاد يستقبلونه بالغناء والرقص، ويتجلى ذلك في الأغنيات التي يرددونها بمناسبة فرحة العيد قائلين: |
اليوم موسم.. وغدوه العيد |
وافرح يا أبو ثوب جديد |
اليوم موسم.. وغدوة العيد |
وافرح يا قفطان جديد |
وإذا ارتدى طفل منهم ثوبا جديدا، فإن البقية تحذو حذوه لاستقبال العيد في وقت واحد ويقضي الأطفال عيد الفطر في الأماكن الترفيهية التي يركبون فيها اللويدة، وهي مجموعة من المقاعد الخشبية المتحركة التي تدار يدويا حول قاعدة رئيسة من اليمين إلى اليسار بواسطة عدد من الرجال، أما الشقليبة التي تغري الأطفال في العيد، فهي مقاعد خشبية تتحرك من الأعلى إلى الأسفل تدار باليد أيضا، ويردد الصغار الأغاني مع دورة الشقليبة: |
يا لويده.. لودي بينا |
حنة وزغاريت علينا |
يا لويدة.. لودي بينا |
حنة وحدايد في أيدينا |
يا لويدة.. لودي بينا |
حنة ودبالج في أيدينا |
على بينا يا وفير |
شقليبتنا خير وخير |
وفي موريتانيا تبدأ مراسم الاحتفال بعيد الفطر وذلك بتقديم صدقة الفطر قبل طلوع شمس اليوم الأول من العيد ثم يتم إعداد الفطور الصباحي، ومن العادة أن يتناول الناس بعض الأكل الخفيف كالتمر ويشربون الشراب المفضل عندهم وهو زريف بعدها يرتدون ملابسهم الجديدة ويذهبون إلى المصلى لأداء صلاة العيد وغالبا ما يقع في منطقة مفتوحة على كل الجهات، ويقوم الأطفال والشباب بالسلام على كبار السن وأهل العلم وطلب الدعاء في هذا اليوم المبارك، وينتشر بين الناس في أيام العيد طلب يعرف ب(السماح) وهو أن يعفو الشخص عن أخيه الآخر الذي حصلت معه مشكلة ما، أما الأطفال فيتجهون إلى آبائهم وأقاربهم لأخذ (النديونة) - (العيدية) ولا يقتصر طلبها على الأطفال إنما يتعداه إلى الكبار الذين يطلبونها على وجه المرح والتبسط، ثم هناك عادات عند الموريتانيين منها عدم مكوث المرأة المتزوجة في بيتها أو عند بيت أهل زوجها في صباح العيد، بل عليها أن تقصد أهلها إن كانوا قريبين من سكنها وإلا فعليها الذهاب إلى أهل زوجها وهي تحمل كل ملابس أفراد أسرتها، وما يكفي من الحناء لخضاب أخوات زوجها، مع كمية من الدهن الخاص لرأي ولحية والد زوجها، ومن العادات المتبعة عند أهل الزوجة إرسال شاة كبيرة إلى أهل زوجها إن كان موجودا، وإن لم يكن كذلك فإنهم يرسلون شاة صغيرة، ونجد النساء يستخدمن في العيد خضاب الشعر واللي وهو إصلاح الشعر، ومن العادات المتبعة في المدن والقرى الموريتانية ت أجيل حفلات الأفراح والأعراس إلى أيام العيد لتتكامل الفرحة والسرور. |
وتقيم البنات غير المتزوجات أو اللواتي تزوجن حديثا ما يسمى بز الجليس ويعني تنظيمهن لتجمع النساء خارج الحي حيث يمارسن فيه الغناء والزغاريد ويعرف بتبوهي، وهو نوع من النداء غير الصحيح، في حين يجري الرجال سباقا للإبل يسمى عندهم باللز ويتضمن إقامة احتفالية كبرى لرجال المنطقة أو الحي. |
وأخيرا بارك الله في الكتاب حدثا وحديثا، ومقاما ومقالا. |
عنوان التواصل: |
ص.ب: 54753 |
الرياض: 11524 |
فاكس: 2177739 |
|