بمناسبة اليوم الوطني المجيد لمملكتنا الغالية وذكرى موحدها العظيم عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل - طيب الله ثراه -، فإنه يسعدني أن أقدم هدية غالية للقراء قبل أن تصل إليهم من مصدرها الأصلي، ألا وهو الصديق الباحث المترجم عطية الظفيري الذي حصل على عدة تقارير سرية للدبلوماسية البريطانية الاستثنائية التي لعبت دورا سياسيا في البلاد العربية أيام نضال المؤسس العظيم، وهي إضافة إلى ذلك تعتبر كاتبة وشاعرة وعالمة آثار ورحالة ومحللة سياسية وجاسوسة لبلادها بريطانيا أيضاً، ألا وهي المس (الآنسة) غيرترودبيل التي عملت مساعدة ل(بيرسي كوكس) الحاكم البريطاني في العراق عام 1914م، وقد أودعت هذه الأوراق السرية - أو التقارير - في مكتبة جامعة نيوكاسل، وهي ذات التقارير التي كانت ترسلها إلى المكتب العربي في القاهرة عن أوضاع الجزيرة العربية لتنشر في نشرة سرية تسمى (آراب بوليتين)، وقد قام سير كينهان كورنواليس بنشرها في كتيب إنجليزي محدود بعد مرور 23 عاما من وفاتها إلا أن الصديق الباحث عطية الظفيري قام بتعريب تلك التقارير وحاول تحري الدقة في النقل من الإنجليزية إلى العربية كما يقول دون أي تدخل في النص الأصلي؛ مراعاة للأمانة العلمية في النقل. كما حصل الظفيري من جامعة نيوكاسل على صور فوتوغرافية فريدة تتعلق بتلك الموضوعات والتقارير من أرشيف الكاتبة ذاتها وأضافها إلى النسخة العربية التي سينشرها قريبا - بإذن الله -.
***
على أية حال ها هي غيرترودبيل تصف الموحد العظيم حسب رؤيتها له وتقريرها عنه: (لقد اقترب ابن سعود الآن من سن الأربعين إلا أنه يبدو أكبر من ذلك ببضع سنوات، وهو ذو بنية جسمانية رائعة طوله يزيد على ستة أقدام وله حضور شخصي وقد تعود على القيادة، وعلى الرغم من أن بنيته ضخمة أكبر من أجسام شيوخ البدو التقليديين المعتادة إلا أن لديه خصائص العرب الأصيلة، فهو ذو أنف معقوف ووجه واضح الملامح ممتلئ وشفاه بارزة، وذقن طويلة ورقيقة تحددها لحية مدببة ويداه رقيقتان أصابعهما ممشوقة، وتلك هي ملامح القبائل العربية القحة وعلى الرغم من طوله الفارع وعرض منكبيه، فإنه يمثل السمة الغالبة في الصحراء ذات الاتساع اللا متناه، ويحمل انطباعا متعارفا عليه في الصحراء هو حياة المشقة التي يكتنفها شيء من الغموض ليس على مستوى الفرد ولكنه متعلق بالجنس البدوي بأكمله. وإذا كان القلق يتحكم في حياة ناس الصحراء البسطاء إلا أن ابن سعود حقق سيطرته وبسط نفوذه إلى ما وراء حدوده الموحشة. وعلى الرغم من أن حركاته المتأنية وابتسامته البطيئة العذبة واللمحة التأملية لعينيه ذات الرموش الثقيلة تضيف إلى مهابته وسحر شخصيته. ومع ذلك فإن ما ذكر بشأنه يضفي عليه خصال التحمل البدني النادر في شبه الجزيرة العربية الممتلئة بالصعاب، ويقال إن منافسيه قلائل بين الرجال الذين تربوا على امتطاء ظهور الإبل والذين لا يكلون من امتطائها كقائد لقوات غير نظامية، أثبت أنه جريء ويجمع بين خصائصه كجندي وقبضته على مقاليد الحكم التي يجلها رجال القبائل كثيرا وربما أقصى إطراء له قولهم بإنه (رجل دولة).
***
ثم تستمر غيرترودبيل بوصف عبد العزيز بقولها: إن ابن سعود كسياسي وحاكم ومغيِّر يمثل شخصية تاريخية استثنائية فهو وأمثاله من هؤلاء الرجال يشكلون استثناء في أي مجتمع ويدفع بهم جنسهم العربي بإصرار في محيطه وفي ذلك المحيط يحققون احتياجاته، فلقد قدموا القادة الفاتحين والإداريين العسكريين للغزوات الإسلامية (المحمدية) الذين نجحوا في مهامهم مثل ابن سعود، لأنه استطاع أن يحول مجتمعا قبليا إلى دولة موحدة ومتجانسة ذات طبيعة قوية. انتهى حديث غيرترودبيل.
***
يبقى القول وبالفعل ها نحن اليوم نحتفل بما حققه ذلك الرمز العظيم.