إن ما تمر به الولايات المتحدة الأمريكية من أزمة مالية خانقة وحرجة ليست بجديدة عليها ولكنها تعد الأصعب والأقوى تأثيراً على اقتصادها الذي يعيش أسوأ مراحله حاليا. فما حدث لأزمة الرهن العقاري وتبعها إفلاس بنك ليمان براذرز الاستثماري مؤخراً (رابع أكبر بنك في أمريكا) إلى جانب بيع مصرف ميريل لينش إلى بنك أوف أميركا ومخاطر إعلان افلاس شركة التأمين الأمريكية AIG تعد أحداثا مهيبة ومربكة ليس للاقتصاد الأمريكي وحده بل للاقتصاد العالمي ككل. ويتفق غالبية المحللين الاقتصاديين أن تلك الأزمة قد ألقت بثقلها على الاقتصاد العالمي، بل إن تأثيراتها ستمتد إلى جميع دول العالم ولسنوات طويلة قادمة، فالولايات المتحدة أصبحت من أكثر الدول استدانة وهو ما أفقد اقتصادها الثقة مما ساهم في انخفاض عملتها إلى أدنى مستوياتها.
وما يؤكد ذلك الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي والذي حذر أن بلاده (تمر حاليا بأزمة مالية خطيرة قد تزج باقتصادها في خطر كساد طويل الأجل وأن حكومته إذا لم تتحرك فورا لمعالجة تأثيرات هذه الأزمة فإن مزيدا من المصاعب المالية قد تقع وستكون نتيجتها إفلاس مزيد من البنوك، وانهيار أسواق الأسهم بشكل أكبر، وإغلاق شركات ومؤسسات، وضياع وظائف، وتراجع قيمة المساكن).. والرئيس حاول جاهدا إقناع الكونجرس باعتماد مبلغ 700 مليار دولار لتنفيذ خطة إنقاذ عاجلة للاقتصاد الأمريكي، وقد تنجح وقد لا تنجح وهو المرجح. وفي جانب آخر صرح الرئيس الفرنسي (نيكولا ساركوزي) بتصريح قوي قال فيه: (إن حالة الاضطراب الاقتصادي التي أثارتها أزمات أسواق المال الأمريكية وضعت نهاية لاقتصاد السوق الحر).
المواطن البسيط قد يتساءل ما دخلنا وعلاقتنا نحن في المملكة بما حدث من انهيار في الاقتصاد الأمريكي؟ وما دخل أسواقنا المالية والعقارية بما حدث لأمريكا؟ والجواب غير خاف على الكثير وهو: أن كثيراً من استثمارات بنوكنا المحلية ومؤسساتنا المالية في أسواق المال الأمريكية والصناديق الاستثمارية فيها والتي تراجعت قيمتها بنسب كبيرة وستشهد تراجعات أكبر خلال الفترة القادمة، وبالتالي فنحن لسنا بمعزل عن العالم وسيشملنا الخطر خصوصا وأن عملتنا (الريال) مرتبطة بالدولار الأمريكي المنهار حاليا والمتوقع استمرار انهياره مستقبلا مما سيؤدي إلى مزيد من التراجع في قيمة الريال السعودي، وبكل تأكيد فإن تبعات ذلك مستقبلا سلبية جدا على ذوي الدخل المتوسط والمحدود، بل حتى أصحاب الدخول المرتفعة سيواجهون مخاطر عدم المقدرة على الاستمرار في حياة الرغد والعيش الهني التي كانوا يتمتعون بها.
الشيء المؤكد الذي يجمع عليه المحللون الاقتصاديون أن منظومة الاقتصاد المالي العالمي التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت الآن وقبل أي وقت مضى بحاجة إلى إعادة نظر، وأن كل المحاولات التي تبذل لن تعيد الوضع على ما كان عليه.
*Fax2325320@ yahoo.com