من يقرأ الإسلام وتعاليمه قراءة متفحصة يجد أن (القتل) هو أقسى العقوبات التي تلجأ إليها الشريعة مضطرة (كرادع) من أساليب الضبط الاجتماعي، أو الأخلاقي، أو السياسي. يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود رضي الله عنه: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة). متفق عليه. وحتى هذه الحدود جعل المشرع ضرورة أن (تدرأ) ما أمكن ذلك إذا ما وجدت (الشبهة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)؛ أي أن الشبهة توظف لمصلحة المتهم بإسقاط الحد عنه. ويروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: (لئن أعطل الحدود بالشبهات أحب إليّ من أن أقيمها بالشبهات). وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقوق في حجة الوداع فقال: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا) رواه مسلم. وقال أيضاً: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله) رواه البخاري.
وقد يكون القتل في غير (الحدود) المنصوص عليها شرعاً؛ فيدخل كعقاب في قضايا (التعزير) التي تعطي الشريعة للسلطة الحاكمة حق تقديرها، وتحديدها بشكل واضح ودقيق وجلي، وبناء عليه يجوز للقاضي الشرعي الاستناد عليها في تقرير حكم (القتل) شريطة أن يُقره بعد ذلك ولي الأمر صاحب البيعة، على اعتبار أن إقرار الأحكام (التعزيرية) من صلاحياته؛ فله أن يُمضيها، وله أن يُلغيها، حسب تقديره للمصلحة.
كما يؤكد علماء الأصول أنه إذا تعارضت مفسدتان تحقيقاً أو احتمالاً، راعينا المفسدة الكبرى، فدفعناها تخفيفاً للشر.
ومن يقرأ هذه الضوابط (المُحكمة) يجد أن من يدعي أن دين الإسلام دين (قتل) وإرهاب وإراقة دماء وتساهل بأرواح الناس، هو أبعد ما يكون عن الحقيقة. نعم هناك بعض الآراء المتشددة، أو المستعجلة، أو تلك التي لا تعرف (الاحتراز) في الفتوى، أو عند إبداء (رأيها) في شأن معين، (قد) تقفز إلى القتل ليس كغاية، وإنما (كرادع)، بأسلوب ربما يحمل في مضامينه تساهلاً فيما (تشددت) فيه الشريعة من حيث البدء. كما أن هناك من الوعاظ، من يأخذهم الاندفاع في الإنكار، وعدم تقدير مآلات ما ينطقون به، أو ما ينصحون به، فيقعون عن حسن نية في إهدار دم من يختلفون معهم، متخذين من بعض النصوص جسراً (لتأصيل) دعواهم؛ غير أن هذه الآراء في التحليل الأخير لا تدين الإسلام، بقدر ما تدين الشخص (ذاته) الذي نطق بهذه التخريجات، ويجب أن نفصل بين (الأشخاص) وبين (الإسلام)، فلا نخلط هذا بذاك.
ولعل أقرب مثال على ما أقول ما يفعله أسامة بن لادن. هذا الرجل لا يُمارس الإساءة للإسلام عن خطأ، أو غفلة، أو سذاجة؛ أو أنه أراد أن (يعظ) فزل به لسانه مثلاً، وإنما عن سابق تصور وإصرار وتصميم. فلا يمكن أن يخفى عليه أنه حول الإسلام من دين الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والرقة والقول الليّن، إلى دين يتعامل مع الآخر، حتى المسلمين منهم - (لا فرق) - بالقتل والدم والحزام الناسف، وهو يرى ما يعانيه المسلمون في كل أنحاء الدنيا من عناء ومضايقات، وعيون شك تراقبهم أينما حلوا أو ارتحلوا، لكن الإسلام والمسلمين آخر ما يهمه، فالأهم أن ينفذ أيديولوجيته المنحرفة. إلى اللقاء.