من حق الجميع تعاطي الرياضة في أي وقت وفي كل الأزمنة لكن الأجواء الروحانية في مثل العشر الأخيرة من هذا الشهر الكريم تجعلنا نتنحى عن الرياضة ونتركها جانباً وننسى همومها ومنافساتها ومتعتها وإثارتها ونتفرغ في هذه الأيام المباركة للأعمال الخالصة لوجهه الكريم فالباقيات الصالحات خير من كل الأمور الدنيوية التي تزول بزوال الأثر ولا يبقى إلا العمل الصالح هناك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
تذكرت وأنا أكتب هذا المقال حال الزميل محمد رمضان - شفاه الله وعافاه- وقلت هل مات في داخلنا الإحساس بظروف الآخرين؟ وهل قفلنا ضمائرنا داخل الصندوق الرياضي الذي يأخذ ولا يعطي؟ وتذكرت ما وصل إليه لاعب فذ مثل صالح النعيمة والذي قدم رسالة واضحة الحروف والمعاني عبر قناة أبوظبي ووجه من قبل نفس الرسالة قبل سنتين ويعتقد البعض أن حفنة من الريالات تحل أزمته بينما الحاجة تستدعي التدخل لتوفير مصدر رزق له كمحلل في إحدى القنوات الرياضية التي تركض خلف غيره بعروض وصلت إلى ثلاثين ألف ريال شهرياً بل وصلت إلى أربعين ألف ريال، وتذكرت لاعب نادي أبها للدراجات محمد راكان الذي كان بطل السعودية وضاع مع المشردين والتائهين دون مساعدته للعلاج ليعود لزوجته وأطفاله المغلقة عليهم الأبواب خلف الجوع لا يجدون رغيف خبز من أهل الموائد الفاخرة في رمضان، وتذكرت ذلك المعلم محمد السلامة رائد النشاط في مدرسة قيس بن سعد في مدينة رماح الذي لم يجد نادياً يكون وعاء للشباب المتناثرين على الأرصفة فاهتم بهم بطريقته الخاصة وعلى نفقته رغم دخله المحدود وربط بين تهيئة الجو الرياضي للشباب وحفظ القرآن الكريم فوجد الدعاء من الآباء والإقبال من الشباب وأرسل أكثر من مائتي خطاب للحصول على دعم مشروعه الرياضي الخيري لتوفير تكاليف ملعب لأبناء المدينة الصغيرة فلم يجد تجاوباً من كل الرموز الثرية!! وكل ما أستطيع قوله لرمضان والنعيمة وضحية أسفار الرياضة محمد راكان والمعلم مشعل السلامة وكل المعوزين من وسطنا الرياضي ومجتمعنا بصفة عامة ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال يتعرض من البلاء ما لا يطيق.. أي أنه لا يجوز لمسلم أن يذل نفسه أو يطأطئ رأسه لكي يصل إلى منصب أو مال أو أي غاية دنيوية أخرى ينشدها فالصبر مفتاح الفرج.
وجاشت بي الذاكرة في نفس اللحظة فتذكرت من كانوا يعيشون بيننا رمضان الماضي وغيبهم الموت ومنهم والدتي - رحمها الله تعالى- التي غابت بصوتها الدافئ الحنون عن منزلي وتركتني في مهب الريح أبحث عن صدى صوتها ودعائها الرطب بذكر الله.. أدعو لوالدتي ولكل من فقدناهم بظهر الغيب؛ فالدعاء مخ العبادة، نسأل الله أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وأن يجعلنا من المقبولين في هذا الشهر الكريم وأن يغفر لموتانا وموتى جميع المسلمين.
الرياضة ليست إثماً وهي متنفس للشباب وتفريغ لشحنات وطاقات الشباب وهي وسيلة حضارية يطل منها العالم على نوافذها الحضارية وتقاس الدول من خلال منجزها الرياضي وكلما زادت مساحة تعاطي الرياضة في أي بلد فهي مقياس للاستقرار السياسي والاقتصادي وترمومتر لنبض الحياة في أي بلد ونحن نعيش في أرض الحرمين الشريفين أجواء رياضية ممتعة وهذا بفضل الله ثم بفضل الدعم القوي لقطاع الرياضة والشباب وزخم الإنتاج والتخطيط من قبل القيادة الرياضية وهذا كرم من رب العزة والجلال على هذه الأرض المباركة.
نعود بكم إلى المربع الأول لعلنا نجبر الرياضيين ومحبي الرياضة على التنحي عن الرياضة في هذه الأيام المباركة ومن ثم العودة إليها فيما بعد فلدينا متسع من الوقت ولنتفرغ للاقتداء بسنة المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم-. ففي العشر الأخيرة نحن في سباق نحو الأعمال الصالحات فالأندية في سباق كروي طويل وطويل جداً ولكن توقف المباريات في العشر الأخيرة فرصة لمواصلة السباق لكن ليس لحصد النقاط وتصدر الدوري وإنما للاقتداء بسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يستعد لشهر رمضان بالعبادة والتقرب إلى الله تعالى، وإذا بدأت العشر الأخيرة شد مئزره وأحيا ليله. وبدون شك فإن رسول الله محمد بن عبدالله -صلوات الله وسلامه عليه- هو القدوة الكاملة لهذه البشرية لتتأسى به، وتتبع هديه، وتوافق سنته فتكون من الفائزين بإذن الرحمن الرحيم. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(21) سورة الأحزاب.
لقد كان للرسول -صلى الله عليه وسلم- وضع خاص يناسب الشهر من صيام وقيام وتوجيه وإرشاد، وغزو وجهاد حسب متطلبات المرحلة، وحاجات الجسم والنفس. وكان صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يربط النفوس بهذا الشهر المبارك قبل مجيئه، ومما قاله ذات مرة في آخر يوم في شعبان: (يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، جعل الله تعالى صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه. ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه. وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد رزق المؤمن فيه، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء). كما كان يقول: (هذا شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، استكثروا فيه من أربع خصال: خصلتان ترضون بهما ربكم عز وجل، وخصلتان لا غنى لكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم عز وجل فشهادة أن لا إله إلا الله وأن تستغفروه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما فتسألون الله تعالى الجنة وتعوذون به من النار). وكان يرغب الناس في ثواب الشهر، ويخبرهم بفضائله، ومنها: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين) ويقول: (إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحد غيرهم). ورمضان في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو بدء الرسالة، وأول تلقي القرآن، لذلك كان شهر تلاوة له ومدارسة، فقد كان جبريل - عليه السلام- يلقاه في كل ليلة من ليالي الشهر الكريم، فيتدارسان القرآن فيقرأ أحدهما ويستمع الآخر توكيداً للوحي وحفظاً للقرآن. وقد قال عن جبريل في العام الأخير من حياته -صلى الله عليه وسلم: كان يعارضني القرآن كل سنة، وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي.
* * *
خاطرة
لا تحزن فرزقك مقسوم وقدرك محسوم وما الحياة إلا متاع الغرور.
الحياة قصيدة أبياتها أعمارنا، والموت فيها القافية.
alhammadi384@hotmail.com