Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/09/2008 G Issue 13148
السبت 27 رمضان 1429   العدد  13148
مخالفات دعاء القنوت
د. علي بن محمد الحماد

يقول العلماء: الأصل في العادات الإباحة، وفي العبادات التوقيف، أي الوقف على ما ورد في الشرع، ومن أعظم العبادات في شهر رمضان وغيره (دعاء القنوت) يقول تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} والدعاء هو لبُّ العبادة، وجوهرها، والقنوت عبادة جهرية يتوارثها الأجيال وحيث إن العبرة بصحة العبادة لا بكثرتها قال تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} فقال: صالحاً ولم يقل كثيراً. وقد ظهر في الآونة الأخيرة بعض المخالفات من بعض الأئمة في دعاء القنوت فأحببت التنبيه عليها لكثرة ما يشتكي منها المصلون ومن ذلك:

أولاً: التقعر في التلحين والتطريب مما ينافي الضراعة والابتهال والعبودية إذ الأصل في تعريف القنوت: إنه لزوم الطاعة مع الخضوع، وهو كذلك مدعاة إلى الرياء والعجب. وقد حذر من ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من العلماء. فالأحرى بالمسلم والأجدى به أن يأتي بالقنوت بصوته المعتاد بعيداً عن التكلف، قال تعالى: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}.

ثانياً: التنطع في الدعاء والتشدق في مخارج الحروف قال صلى الله عليه وسلم (هلك المتنطعون) وقال: (أبغض الناس إلى الله المتشدقون والمتفيقون).

ثالثاً: الإطالة التي تشق على المأمومين، علماً أن الإطالة والقصر راجع إلى السنة لا إلى شهوة الإمام ولا المأمومين، فلنا في رسول الله أسوة حسنة. والعلماء يقدرون ذلك بمقدار سورة (الإنشقاق)، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حذر معاذاً ووصفه بأنه فتان عندما أطال صلاة الفريضة التي هي (الركن الثاني للإسلام) فكيف بمن يطيل القنوت؟؟

رابعاً: زيادة ألفاظ لا مبرر لها، ولا مسوغ لذكرها كقولهم (في كل مكان) أو (فوق كل أرض وتحت كل سماء) فالله هو الذي يصرف الدعاء إلى ما يصلح له وهو اللطيف الخبير.

خامساً: إتيان الإمام بأدعية خاصة ليس لها صفة العموم (فلا ينبغي له أن يحجر واسعاً).

سادساً: المداومة على القنوت دائماً، فقد كره الفقهاء المداومة عليه لئلا يظن الناس وجوبه.

سابعاً: يطرب بعض الأئمة لصوت نفسه عبر مكبرات الصوت المزعجة فيهيم بالتغريد والترنيم غير مكترث بمن خلفه من المأمومين الذين أضناهم الكلل والملل، والإطالة في الدعاء ينبغي أن تكون في السجود لقوله صلى الله عليه وسلم (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) وقال فيه أيضاً: (إنه قَمِن أن يستجاب لكم).

ثامناً: رفع الإمام لصوته عبر مكبرات الصوت التي تدوي في كل الحي المجاورة وتصدع جدرانه، حيث إن البعض يرفعها بشكل فاحش مؤذ، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} فلا ضرر ولا ضرار، ولابد من مراعاة الصغير والمريض وكل من لا يعنيه هذا الدعاء ناهيك عما في ذلك من تداخل أصوات المساجد ببعضها.!!

تاسعاً: تكلف السجع في الدعاء، والبحث عن غرائب الكلمات كدليل على الفصاحة والبلاغة والبيان، وفي البخاري عن ابن عباس أنه قال: (فانظر السجع في الدعاء فاجتنبه فإني عهدت ذلك عن رسول الله وأصحابه).

عاشراً: التزام أدعية لا تصح أو في صحتها نظر ووهن وضعف ومن ذلك: (اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته) وهو دعاء حسن في ظاهرة ولكن الغلط فيه هو هجر الصحيح. والعلماء يقولون: (الاشتغال بغير المقصود إعراض عن المقصود) أي المشروع. فلا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وليسعنا ما ورد في كتاب الله من الأدعية الجامعة كقوله: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا}{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ }وكذلك ما صح في السنة النبوية المطهرة ففيها غنية وكفاية عن سواها، وهي المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك.

الحادي عشر: وجود بعض الاعتداء في الدعاء، وهذا باب واسع له أنواع وأشكال تراجع في مضانها، قال تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}قال العلماء: هو الاعتداء في الدعاء.

وفي الختام يجب على كل قانت أو عابد أن يستشعر قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}

فكل زيادة أو نقصان في المشروع فهو إعراض عن المشروع، واستدراك على الشارع سبحانه، واستحباب لما يشرع، وإيهام للعامة بمشروعيته. ورمي للشارع سبحانه بنقص كمال شرعه، وعدم تمام نعمته، فاقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعه!!

اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

الموجه الشرعي في القوات المسلحة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد