تطاولها المرض فقوامته بالصبر، جثم فوق جسمها ولكنه لم يجثم فوق صدرها؛ أرادته تكفيراً لذنوب لا تسلم منها نفس وسبباً لدخول جنة لم تفتأ رحمها الله تطلب الله الوسيلة لها.
ماتت رحمها الله، ولكنها ظلت حية في نفوس أبنائها بأقوالها وأفعالها. لا تزال ترن في أذني عبارتها الشهيرة (مرحباً بذكر) كلما سمعت صوت المؤذن، ولا زلت أشاهدها وهي تتخلى عن كل انشغال بعد الأذان حتى تفرغ من صلاتها بنوافلها كاملة، ما زلت أخجل من نفسي كلما تذكرت عجزي عن أداوم مثلها على ركعتي الضحى وقيام الليل، وصيام أيام الليالي البيض. تربت رحمها الله في مدرسة الحياة، وسما هدفها ليرتبط برضا المحيي القابض؛ ظلت مستشارة لأبنائها في معضلات الحياة وقاضية بينهم بسلاح الحكمة وقوة الشخصية؛ ظلت حية رحمها الله، لأنها أنجبت الأستاذ الجامعي والمهندس اللامع وضابط الأمن الثقة والمعلم الفاضل ورجل الأعمال الناجح.
كانت لي الأم دون الجدة؛ اختارتني لتربيني من بين أخوتي، فوعيت الدنيا وهي بالنسبة لي الدنيا؛ غادرت لأقصى الغرب في طلب العلم، ولكن قلبي بقي معها؛ لم تكن تلك الليالي الشتوية القارسة لتطفئ لهيب حزني منذ أن رأيتها تناديني من على فراش الموت، وحتى عدت من غربتي لأزور قبرها - في بقيع الصحابة - والحبيب يزار. رحم الله سميرة الصلاة والدعاء (سميرة بنت عواد السحيمي)، ووفقني لبرها بعد موتها بالصدقة والدعاء، وجعلها الله من الفائزين بالجنة يوم توفى كل نفس أجرها.
* mohammadaljabri@hotmail.com