Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/09/2008 G Issue 13148
السبت 27 رمضان 1429   العدد  13148
هيئة وطنية للعنف الأسري
د. إبراهيم بن أحمد الضبيب

يختلف علماء الجريمة والاجتماع والخدمة الاجتماعية والنفس والأطباء والقانون حيال تعريف العنف الأسري بحكم اختلاف مجالاتهم واختلاف المجتمعات والثقافات والنظرة إلى مساحة السلطة الزوجية والأبوية والعلاقات الاجتماعية حيث عرفه الدكتور أحمد مراد بأنه (كل فعل أو قول أو همس أو إشارة أو حركة أو صمت يعكس أي نسبة من الأذى مهما تدنت سواء كان جسدياً أو معنوياً أو مادياً أو نفسياً) ومن أبرز المهتمين بهذا الجانب (سترووس) حيث يعرف هذا النوع من العنف بأنه (أي فعل أو سلوك يتم بقصد أو بنية إحداث ضرر أو ألم جسدي على شخص آخر داخل الأسرة)، وفي العشر السنوات الأخيرة تفاعلت المؤسسات الحكومية والمنظمات العربية المعنية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة بإثارة مشكلة العنف الأسري لإخضاعها للبحث والنقاش العلمي والحوار والتداول بين أروقة المجتمع ليشنف بها آذان أفراد المجتمع لتكوين حزمة من الوعي الاجتماعي والدفاع الاجتماعي تجاه هذه المشكلة الاجتماعية التي أصبحت وسائل الإعلام السعودية تتناولها في مجتمعنا حتى أخذت مكانة مهمة في الشرطة وهيئة التحقيق والادعاء العام والمحاكم انتهاء بتنفيذ الحكم الشرعي على من تجاوز حدود سلطته الأبوية أو قوامته الزوجية، فيرى بعض القراء والكتاب العاطفيين أن في إبراز هذه القضايا في وسائل الإعلام المختلفة في مجتمعنا تجنٍّ ومدعاة للناعقين تجاه مجتمعنا المحافظ وخصوصيته، فالعنف الأسري موجود منذ بني آدم هابيل وقابيل حين قتل قابيل هابيل، مروراً بوأد البنات في الجاهلية وبكاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما تذكر وأد أبنته التي كانت تمسح لحيته من التراب وهو يطبق عليها أقسى أنواع الإيذاء والتي حرمها الإسلام وجرمتها شرائع الأرض أجمع، قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ}، ولم تخلُ العصور الوسطى في أوروبا من أنواع العنف الأسري ومن أبرزها التخلص من المعاق جسدياً أو ذهنياً برميه من شاهق أو تسميمه برضا أسرته مروراً بوحشية فصل جسد المجرم أو أسير الحرب إلى جزأين وذلك بربطه بين فرسين باتجاهين مختلفين، امتداداً إلى عصرنا الحاضر بتشغيل الأطفال والرقيق الأبيض ونحر الفتيات في عمر الزهور قرباناً للآلهة في بعض الديانات وإهمال كبار السن وتشريد الأطفال، وآخر قضايا العنف بأوروبا احتجاز أب نمساوي ابنته في قبو المنزل لأكثر من عشرين سنة واعتدائه عليها وإنجاب أربعة أطفال منها، ولم يطلق على العنف الأسري كمشكلة تصل لحد الظاهرة إلا في النصف الثاني من القرن العشرين والفضل في ذلك للإعلام في إبرازها لمستوى الظاهرة التي تحتاج لتضافر الجهود لإيقافها ووضع تشريعات للحد منها حيث بدأ الاهتمام بتداول مصطلح العنف الأسري في المجتمع السعودي على الصعيد الرسمي والجاد قبل ثمان سنوات بعد مناقشة رسالة دكتوراه المقدمة من الدكتورة الأميرة منيرة آل سعود بهذا الموضوع والتي تلاها تعزير أحد المواطنين الذي ضرب زوجته ضرباً مبرحاً وكان للإعلام الدور الفعال في إبراز تلك القضية خصوصاً أن المعتدى عليها كانت إعلامية، فالعنف الأسري حقيقة اجتماعية ونسبية من مجتمع لآخر وتصل في السعودية إلى 21% حسب ما أعلنته وزارة الإعلام المختلفة سواء كان العنف جسدياً أو نفسياً مع تحفظي كمختص على هذه النسبة لأن القصد أو النية شرط أساسي للعنف الأسري بعد إقرار المعتدى عليه ولكن المجال في مناقشة هذه النسبة لا يتسع، وعندما نطلق على العنف الأسري مشكلة قد تصل على حد الظاهر فإن التعامل معها لا يقل عن ظاهرة المخدرات والفقر.. التي حرصت الدولة على إنشاء هيئات وطنية لها وضعت لها خطط استراتيجية ومن هنا تأتي أهمية إنشاء هيئة وطنية للحماية الاجتماعية تعنى بجميع مزودي الخدمات الوقائية والعلاجية والتشريعية لضحايا العنف الأسري على مستوى الوزارات المعنية؛ بحيث تتولى وزارة التربية والتعليم أجندة التوعية والوقاية وثقافة الدفاع عن النفس إضافة إلى الثقافة الجنسية، وتتولى وزارة الشؤون الاجتماعية دور الحماية والمساعدة والإيواء، وتتولى وزارة التعليم العالي من خلال المراكز البحثية بحث ودراسة تلك المشكلة، وتتولى وزارة الصحة دور الإبلاغ عن الحالات المحولة لها، وتتولى وزارة الداخلية التحقيق والتحري حيال هذه المشكلة، وتتولى وزارة العدل البت بقضايا العنف الأسري بالإصلاح والتأديب وذلك من خلال مكاتب لتلك الهيئة منتشرة بمناطق المملكة ترتبط مباشرة بالحاكم الإداري لرفع الظلم عن الزوجات والأبناء والأطفال مسلوبي الإرادة، وهذه الهيئة سوف تدعم توجه إدارة الحماية الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية وتحل محل اللجان الحالية المعنية بهذه المشكلة إضافة إلى أنها سوف تبرز أهمية وجود محاكم أسرية في المستقبل وتحد من جلد الذات الذي نمارسه على مجتمعنا في وسائل الإعلام من جراء تلك المشكلة.



Drdhobaib@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد