الإنسان طموح بطبعه وهو حاسد ناقد للآخرين وطماع في إشباع رغباته، طموح وهذا حق له ضمن حدود المتعارف عليه في المجتمع ولكن له أن يكون حاسداً للآخرين، له الحق في الانتقاد الإيجابي ولكن لا يجوز أن يكون انتقاده سلبياً وأما طمع الإنسان فهو مرفوض بالمطلق لأن ذلك يتجاوز ما يمكن أن نسميه مسموحاً به بين البشر.
يعيش الإنسان وسط مجتمع ذي نسيج مختلفة ألوانه، أفراده ينتمون إلى مشارب متباينة؛ فهذا عاقل يتعامل مع الآخرين باحترام ومحبه وذلك صبور يقابل الإساءة بالإحسان وثالث دؤوب يسعى لكسب رزقه بالحلال ورابع أحمق قليل العقل فاسده، وإذا حاولنا أن نستمر في تقصي سلوك ورغبات الناس وجدنا أنهم ذوو نفوس وعقول وعواطف ورغبات تصل في بعض الأحيان إلى حد التناقض، ومع هذا يجد الإنسان نفسه أنه مضطر لأن يتعامل مع هذه الشرائح وإذا حاول الابتعاد عن مجتمعه وصفوه بأنه انطوائي وفي هذه الحالة من الممكن أن يتعامل الإنسان مع مجتمعه شريطة أن يعرف صديقه من عدوه بعد التجربة لا أن يحكم على الآخرين دون أن يمر بفترات استقصائية يدون فيها ما ينسجم مع ما يقبله المجتمع وما لا يقبله وبعدئذ يقرر الاستمرار في التعامل مع ذلك الشخص أو الابتعاد عنه.
يحضرني في هذا المقام قول إيليا أبو ماضي:(خلقت ووجدت أمامي طريقاً فسرت وسأبقى سائراً إن شئت أو أبيت) نعم هذه هي حال الإنسان فهو لا يستطيع التوقف عن السير حيث يلتقي في طريقه أصنافاً عديدة من البشر ينظرون إليه بأحكام قد تكون صحيحة وقد تكون بعيدة عن الحقيقة بل ربما يكون متجنين عليه ولا يهم ذلك فهو الذي يستطيع أن يكف أذى الآخرين إذا أحسن التصرف واستخدم عقله.
والحقيقة نجد أن الإنسان الذي يعمل بجد ومثابرة يحصل على ما يستحق مقابل جده ومثابرته ويحقق النجاح، وفي هذه الحالة نرى أن بعض الناس يحاولون التقرب منه ويظهرون له صداقته ومودته وآخرون يظهرون له العداوة والبغضاء حسداً له وفي هذا المجال نقول لمن حقق النجاح ما قاله ابن المقفع (إن أقبل إليك مقبل بوده فسرك ألا يدبر عنك فلا تنعم الإقبال عليه والتفتح له فإن الإنسان قد صنع على ضرائب لؤم).
نعم علينا ألا نستعجل في منح الثقة لمثل هؤلاء الناس لأنه من المؤكد أن هؤلاء الناس لم يكونوا ليظهروا مثل هذا الود لولا النجاح الذي تحقق وينطبق على هؤلاء الناس القول: يعطيك من طرف اللسان حلاوة، ولكن يكمن خلف ذلك الإطراء الشر المطلق والرغبة في زوال تلك النعمة وبالطبع لا ينطبق هذا الأمر على الجميع ولا يمكن أن نعمم ذلك السلوك على كل من يتقرب من الذي حقق النجاح إلا أنه لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن رغبة الإنسان في أمور السلطان والجاه والمال تؤثر في سلوكه وتدفعه إلى الانحراف عن الطريق المستقيم الأمر الذي يفرض علينا أن نتخذ موقف الحذر والحيطة في اختيار من نرتبط بهم في حياتنا اليومية.
هذا بالنسبة لمن يتظاهر بالمودة والمحبة لمن حقق النجاح وأما الذين يظهرون العداوة يمكن وضعهم في خانة الحاسدين الحاقدين وبالتالي ينبغي على من حصل على النجاح أن يضع في اعتباره أن هؤلاء الناس لديهم دوافع بغض ونوايا سيئة وبالتالي عليه أن يتجنبهم لأنهم مصابون بمرض اجتماعي يمكن تسميته الحقد على الآخرين فهم لا يريدون الخير إلا لأنفسهم ويعيشون في ضلال يبعدهم دائماً عن مشاركة الآخرين في نجاحهم وعن العمل على أن يحققوا النجاح كما حققه الآخرون، وإذا تتبعنا سلوكهم نجد أنهم يعتقدون أنهم مركز الكون مغرورون بأنفسهم يجمعون كلمة من هنا وأخرى من هناك ويتحدثون بها أمام الناس ناسبين ذلك إلى أنفسهم ولكنهم لا ينجحون بإقناع السامع بها وتظهر على أنها ليست لهم وإنما هي منقولة عن الآخرين مثلهم في ذلك مثل الأحمق الذي تنقصه الحكمة أو الفطنة أو الفهم الذي يؤذي نفسه قبل أن يؤذي الآخرين.
وعلى ذكر الأحمق يحكى أن رجلين كانا يسيران في مرعى عندما فجأهما ثور هائج فقفز أحدهما إلى الشجرة وبقى الثاني في طريق الثور فصرخ إليه الرجل الأول: اصعد إلى الشجرة إنه سيقتلك، فقال له الثاني: لا تقلق إن الله سيحميني، تابع الثور جريه ونطحه عدة مرات وتركه جريحاً على الأرض، قفز الرجل الذي كان على الشجرة وقال له: قلت لك أن تصعد على الشجرة مثلي فلم تسمع نصيحتي فقال المجروح اعتدت أن الله هو الحامي وهو سيعتني بي فقال الرجل الحكيم كان الله يحاول أن يساعدك يا غبي لماذا أعطاك الله العقل والشجرة؟.
مثل هؤلاء الناس يجب أن نبتعد عنهم اتقاء لشرهم وينبغي أن لا نصاحبهم ولا نجاورهم ولا نخادنهم أبداً لأنهم يحاولون دائماً أن يدفعوا النهر للجريان عكس مجراه، ومن شرائح المجتمع أناس لا يحافظون على الأمانة التي ائتمنوا عليها وعند أقل إشارة لا تروقهم من صاحب تلك الأمانة نجدهم يخونون تلك الأمانة ويفتحون سجل تلك الفترة التي قضوها مع من كان يعتبرهم أهلا للأمانة أمام القاصي والداني، ويتحدثون مع الآخرين على أساس فهمهم الخاص لذلك الأمر وينسون أن ما كان لديهم من السر يشبه تماماً أمانة المال، فهم ينزعجون غاية الانزعاج إذا فقدوا مالاً لهم وتراهم يتهاونون في الأمانة الموجودة لديهم وهكذا، فإنهم يعتبرون أن المال أكثر أهمية من الأمانة وهذا أمر يدعو للعجب وقد قال الرسول الأعظم بهذا الخصوص إذا قلت الأمانة ترقبوا الساعة وعلينا أن نكون حذرين من التعامل مع هذه الفئة من الناس لأن أفرادها الذين يتكلمون عن الآخرين في غيابهم لديهم الاستعداد بأن يتصرفوا نفس التصرف بالنسبة من يسمعهم.
ومن الطبيعي أن يكون للإنسان أصدقاء مخلصون يرتبطون معه بالمودة والتقدير لا يكنون له العداوة يتعاونون معه ويهتمون به ويتعاملون معه بنية حسنة ورغبة أكيدة في الحفاظ على صداقته غايتهم فيما بينهم وبين ذلك الصديق هي الرضاء ومن المتعارف عليه أن مثل هؤلاء الناس يكونوا ذوي فضل في الدين والعلم والأخلاق، وفي هذا الخصوص على الإنسان أن يتخير أصدقاءه كما يختار كتبه وأن يضع في اعتباره أن سوء الأصدقاء أكثر ضرراً من بغض الأعداء وأن الصديق الحقيقي هو الصديق الذي يقترب منه عندما يبتعد الجميع عنه، وإذا رأى صاحبه مع عدوه فلا يغضبه ذلك لأنه إذا كان ذلك الصديق من إخوان الثقة فإن أنفع موطن له أقربه من عدوه لشر يكفيه عنه أو لعورة يسترها منه أو غائبة يطلع عليها له، وأختم بالقول إن الصديق الصدوق هو الذي لا يقول لصديقه غداً إذا احتاج إليه وعند الشدائد تعرف الإخوان.