Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/09/2008 G Issue 13148
السبت 27 رمضان 1429   العدد  13148
الإسلام لا يتخلى عن المغفلين
حمد عبد الرحمن المانع

الذكاء والغباء صفتان من صفات البشر، وتتعدد العوامل المؤثرة في تلك الصفتين، إلا إن الطابع الوراثي قد يكون الأبرز في التأثير، عدا عن تأثير عنصر الاكتساب الذي لا يؤثر كثيراً في هذه المعادلة، غير أنه قد يضفي زخماً من الإحاطة إن جاز التعبير على القراءات التي في ضوئها يتم تعزيز القوة الذهنية عطفاً على الإلمام الشامل بالمعطيات وإرهاصاتها، والفروق في هذا الصدد بين البشر أمر حتمي لحكمة قدرها الخالق، وحفظاً للتوازن المفضي إلى استمرار الحياة أي إن اختلاف القياسات سواء من حيث القدرة والتمكين، أو من خلال التناغم الفطري بين المخلوقات والذي ينحو لحماية المخلوقات من سطوة القوي المتمكن، وتجد مسألة تقنين القوة من خلال التوزيع المتقن للأدوار، قياساً على العلاقة، فعلى سبيل المثال هناك حيوانات قوية، وأخرى ضعيفة، غير أن هناك روابط بين الحيوانات تحقق هذا التوازن وتحمي الضعيف من القوي وإلا لهلكت جميع الحيوانات الضعيفة، وأبيدت من الوجود، ولا نملك هنا إلا أن نقول تبارك الخالق وهو أحسن الخالقين {أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} هذه الأمم حفظها المولى وخلق سبحانه الأسباب المؤدية لحفظها وديمومتها، وعلى صعيد أبناء بني البشر فإن القوانين الوضعية مهما بلغت شأواً من الحرفية في الصياغة، إلا أنها لا تستطيع تأمين الحماية بالمفهوم الشامل، فالثغرات لا تلبث أن تثقب الإطار لتستقر في العمق وبالتالي فإن المعنى الأمثل للحماية قد انتفى بموجب هذا الاختراق، والذي لا يكفل حماية الغبي من بطش الذكي الذي طوع ذكاءه لإلحاق الضرر بالآخرين وسلب حقوقهم، ولست هنا أقلل من شأن القوانين، بل هي مشروعات إنسانية خلاقة تصبو إلى تنظيم العلاقات بين البشر وحماية حقوقهم، إلا أن عنصر الحماية يظل مبتوراً كما أسلفت، بيد أن الشارع يخترق الأفئدة ليخاطب الوجدان، أي أن تغذية الجانب الروحي بهذا الخصوص هو المعيار الذي يتم في ضوئه تنظيم العلاقة، فالمدلس، والمرتشي، والمغرر باستطاعته النفاذ من سطوة القانون طالما أن ليس ثمة مستمسكات تدينه، وحينما يفكر الإنسان في مشروع أي مشروع كان، حتى في مشروع زواج ابنته فإن المقياس الحقيقي هو عبارة (يخاف من الله) ما أعظم هذه العبارة وما تحتويه من مدلولات تحمل في طياتها البعد السامي والنبيل للتوجه، بل إنها واحة الأمان لم يتصف بها وكل من يتعامل معهم، لذا فإن القانون وحده لا يكفي إن لم يكن تحت مظلة الدين بقيمه التي تراعي الكبير والصغير وتحمي الجميع بمن فيهم من يسن القوانين، بمعنى أن العدل وتحقيقه لا يتكئ فقط على الجوانب المادية، والتي يمكن الالتفاف عليها، بل هو أشمل حينما تكون مراعاة الفوارق على المحك وعليه فإن محاسبة النفس هي الكفيلة بانتزاع الشطحات الشيطانية والنزوات العدوانية، بإمساك رأس الحكمة ورأس الحكمة مخافة الله، وكلما تضاعفت المسؤوليات الأدبية على الأفئدة كلما كانت الحاجة ماسة للخوف من الباري عز وجل، فالمحامي البارع يستطيع أن يلتف على القانون وينقذ مجرماً من يد العدالة غير أنه لا يستطيع إنقاذ نفسه من مطرقة لا تلبث أن توجع فؤاده أينما حل وارتحل، لذلك فإن الأسئلة تدور في أذهان المندهشين عن سبب دخول الناس في الإسلام، الجواب واضح وضوح الشمس في رابعة النهار هو العدل الروحي والمعنوي والمادي، فهو يحقق العدالة مع نفسه، إنه يحمي الإنسان من نفسه الأمارة بالسوء، ويحميه من غيره ويحمي غيره منه، لذا فإن الإسلام يحمي الجميع بدون استثناء، هنا يبرز دور القضاة في تحري العدل وتحقيقه، وكشف المتلاعبين والمستغلين للضعفاء، فبالإضافة إلى القرائن التي يستند عليها القاضي في إحقاق الحق، فإن الفراسة والنباهة والذكاء عناصر لا يستهان بها، في ضوء تقدير المواقف، والتي على إثرها تتضح الحقائق، ولعل في قصة القاضي الفطن المعروفة خير مثال على ذلك، حينما اختصم رجل أقرض شخصاً مالاً ولم يكن لديه بينة فسأل القاضي الرجل وكان الاثنان في مجلسه عن المكان فأجاب بأنه تحت شجرة، فقال اذهب إلى هذه الشجرة، وانشغل القاضي يقضي في الناس، والتفت إلى المقترض وسأله، أتظن صاحبك وصل إلى هذه الشجرة؟ فقال لا، فاكتشف الحقيقة وأحق الحق، وهكذا قيض الله لهذا الضعيف الذي استغفل، قاضياً واعياً حاذقاً مدركاً، لم تكن فطنته إلا إلهاماً من المولى تبارك وتعالى في نصرة الضعيف، أفبعد كل هذا يترك الضعفاء عرضة للاستغلال والاستغفال، والأمثلة على ذكاء القضاة وحسن تقديرهم كثيرة، من هنا فإن الحاجة ملحة لتعزيز ثقافة الحقوق عبر التعليم ووسائل الإعلام المختلفة، لقطع الطريق على المحتالين الذين يأكلون في بطونهم ناراً، إن المسؤولية الأدبية تحتم تكثيف التوعية بخصوص الحقوق، فرسائل قصيرة وبأسلوب دارج بسيط، كفيلة بإذن الله في تنبيه الغافلين لضرورة أخذ الحيطة والحذر، حفظاً لحقوق الضعفاء والله خير حافظ وهو أحسن الحاكمين.



hamad@asas-re.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد