تفاصيل التعويضات المالية المهولة تناقش من قِبل المشرعين الأمريكيين وحولها خلاف بينهم. فمنهم من يتأمل في المقترح أن يساعد الاقتصاد لتفادي الذوبان، ومنهم مثل جنجريش، المتحدث السابق في الكونجرس، الذي يرى أن تحميل الفاتورة المبدئية المقترحة على المواطن الأمريكي، التي تبلغ 700 بليون دولار وقد تتجاوز ذلك بكثير، ليس هو الطريق السليم.
أما وزير الخزانة بولسن فكان الأحد الماضي يتنقل متحدثاً من برنامج تلفازي إلى آخر ليشرح كيف أن البلايين المقترحة لتغطية العجز المالي، الذي تعرضت له أكبر المؤسسات المالية، هو الطريق الوحيد لكي لا يتعرض اقتصاد بلاده لوضع أسوأ مما هو حاصل، فلا بد مما ليس منه بد: ركوب مقترح الإنقاذ. وبولسن يتحدث بلغة المتفائل لموافقة الكونجرس على المقترح المقدم من إدارته. أما فرانك، الديموقراطي من ولاية ماستشوسس، رئيس لجنة الخدمات المالية في الكونجرس فتحدث في محطة (السي بي إس)، ليوافق وزير الخزانة، ولكنه يلفت الانتباه لمشكلات اقتصادية تجابه بلاده، نسبة البطالة التي تفوق 6 في المائة.
أما المرشحان الديموقراطي أوباما والجمهوري مكين، فيدعي كل منهما أن الأمور في عهد أي منهما، في حالة فوزه بالرئاسة، ستعيد الوضع إلى أفضل مما هو فيه الآن، ويتفقان على ضرورة معرفة المزيد من التفاصيل حول مقترح الإنقاذ المالي المقدم من إدارة بوش، والغريب أن كلا من المرشحين يلقي باللائمة على الآخر كمتسبب لهذه (اللخبطة الاقتصادية).
والسؤال: هل هذا الإفلاس المالي يعتبر أعظم ما حصل لأمريكا منذ 1930م؟ لا، البعض يرى أنه أعظم شيء حصل في تاريخ أمريكا، فشيء غريب أن تفلس الشركات، ودون مساءلة بطلب تعويضها، أو شراء أصولها الفاسدة. منتقدو الإجراء الحكومي يقولون كيف يقدم (نقد للنفايات)، (cash for trash). هل الدولة بإجرائها أقحمت نفسها في القطاع الخاص؟ ثم إن مقترح الإنقاذ الذي يقدمه بولسن للكونجرس كيف ينجز في عطلة نهاية الأسبوع، وأبسط من ذلك بكثير يستغرق أسابيع إن لم يكن أشهراً؟ تقول المتحدثة باسم الكونجرس: لن نسلم لشارع البوصة شيكاً موقعاً على فراغ.
ما يحصل من كارثة مالية يعتبر مخجلاً لأمريكا ومخيفاً محلياً ودولياً، وعلى افتراض أن دولاً لديها فائض من الدولارات، مثل الصين وبعض دول النفط، وأقرضت الأمريكان فستحرص هذه الدول المقرضة على مدى كفاءة إدارة الأموال المقترضة لصالح المقرض. وما يحصل للمؤسسات المالية الأمريكية سيؤثر بالتأكيد على سمعة الولايات المتحدة، وما حصل يدفع إلى الشك في المؤسسات المالية المفلسة، وتحول هذا الشك إلى بداية تحقيقات في وضع هذه المؤسسات من الناحية الإدارية من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي. ثم هنالك مسألة أخرى، فكيف يسلم الأمر لمسؤولين لم يبق على انتهاء فترتهم في إدارة بوش إلا أربعة أشهر؟ والسؤال المهم: كيف ستتم إدارة ما أسماه وزير الخزانة ب(برنامج إنقاذ الأصول المتدهورة)؟ ما القيمة التي سوف تحدد للسهم المتدهور؟ إن حددت ب 30 سنتاً لكل دولار قد لا يكون ذلك في صالح المؤسسة المالية المفلسة، وإن حدد السهم ب60 سنتاً لكل دولار قد لا يكون ذلك في صالح المشتري (المنقذ).
والشيء اللافت للانتباه أنه على الرغم من أن نسبة القروض السيئة لشراء المساكن لا تمثل إلا 3 في المائة على مستوى أمريكا، فعلى الرغم من ضآلتها إلا أنها أثرت على إقراض المساكن housing mortgage. ومن المحزن للإدارة الحالية التي أوشكت مدتها على الانتهاء، أن سيكون على مكتب رئيسها الحالي العديد من الملفات الوطنية والدولية التي لم تحل بل في غاية التعقيد: الأزمة المالية، آثار إعصاري جوستاف وآيك وفيضانات أوهايو، بطالة مرتفعة، إيران وكوريا الشمالية، العراق، أفغانستان، دارفور، جورجيا، الشرق الأوسط.
ونقطة أخيرة، كان جرين سبان، رئيس مجلس إدارة مجلس محافظي الخزانة الفدرالي الأمريكي من 1987- 2006م، ينتقد ما يحصل منذ عشر سنوات مضت في الأسواق المالية الآسيوية من تقييد لها ويقارن ذلك بما يحصل في بلده (أمريكا) باعتباره نموذجاً للحرية الاقتصادية. والآن بعد عشر سنوات، لسان حال الآسيويين يقول: (آه، حقيقة يا سيد جرين سبان)؟