من خلال ما ينشر في الصحف الغربية نلاحظ أن هناك تحيزاً واضحاً من قبل الإعلام الغربي لصالح رئيس جورجيا ساكاشفيلي، وهجوماً كبيراً على روسيا لأنها تدخل من أجل وقف هجوم الجيش الجورجي الذي ارتكب جرائم إبادة بحق شعب أوسيتيا الجنوبية وطرد سكانها ودمر مدينة تسيخينقال وبعض القرى المحيطة بها.
بعض الكتاب العرب تأثروا بالكتابات الغربية وشنوا هجوماً على روسيا لأنها تدخلت لوقف اجتياح الجيش الجورجي، رغم أن العمليات العسكرية كشفت بأن جورجيا استعانت بطائرات تجسس إسرائيلية، وأن هناك أسراباً من الطائرات المقاتلة الإسرائيلية ترابط في القواعد الجورجية ومنها القواعد التي استولى عليها الجيش الروسي في أوسيتيا الجنوبية، كما كشفت العمليات العسكرية في القوقاز وجود تعاون عسكري بين جورجيا وإسرائيل، وهذا على الأقل يجعلنا حذرين من دعم نظام ساكاشفيلي، لأننا نحن العرب يجب أن نقيس علاقاتنا مع الخارج بمستوى دعمهم ومساندتهم لحقوق الشعب الفلسطيني لا أن نشيد بمن يتعاون عسكرياً مع الصهاينة.
ومن الملائم هنا مقارنة تاريخية بين نشاطات جورجيا ونشاطات إسرائيل تجاه الفلسطينيين الذين كانت تطردهم من أراضيهم وتحتل بيوتهم، ومثلما كان الأمر في الحروب الإسرائيلية مع الفلسطينيين ابتداء من عام 1948 اختار قادة جورجيا الناس الأبرياء غرضاً رئيسياً ليس لتنفيذ مهام عسكرية بل لدفع جميع الاوسيتيين الجنوبيين إلى الهروب من منطقة الأزمة، الأمر الذي قد يخلي تبيليسي من ضرورة البحث عن حل سلمي لأزمة عرقية في الدولة.
ويتباين مشابهة أساليب غزو (مسافة الحياة المطلوبة) التي تعتمد عليها إسرائيل وجورجيا أكثر إذ نأخذ بعين الاعتبار التعاون العسكري التكنيكي النشط بينهما، ومن المعروف أن إسرائيل أرسلت إلى جورجيا كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية قبل بداية الأعمال العسكرية في أوسيتيا الجنوبية، أما المدربون الإسرائيليون فدربوا أفراد القوات الخاصة الجورجية لشن أعمال قتالية في المدن.
إن عدوان جورجيا ضد أوسيتيا الجنوبية وواقعة جرائم ساكاشفيلي العديدة والمسجلة ضد سكان الدولة يطلب إدانة واضحة من جانب المجتمع الدولي، أما ساكاشفيلي فيجب أن يُحاكم في المحكمة الدولية مثل المجرمين العسكريين من يوغوسلافيا السابقة.
وفي هذا السياق من اللازم ألا ننسى أن المدعي من منظمة International Criminal Court السيد مورينو - أوكامبو طلب مؤخراً القبض على الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم عسكرية وجرائم ضد الإنسانية في دارفور معتمدا على دلائل غير واضحة وإرشادات من واشنطن، وقد يخلق تجاهل عملية إبادة الناس بالجملة التي قام بها ساكاشفيلي من جانب المجتمع الدولي سابقة خطيرة قد تعتمد عليها الدول الأخرى لتبرير عمليات (تنظيف عرقي) وفرض عقوبات جماعية على الناس الأبرياء بغرض حل أزمات، وعلى سبيل المثال إذا لم يتحمل ساكلشفيلي مسؤولية على ما قام به وهو يتمتع برعاية حلفائه الغربيين من المحتمل أن يشجع هذا الأمر إسرائيل لاجراء العملية المجهزة منذ زمن في قطاع غزة التي لم تبدأها تل أبيب حتى الآن خوفاً من ضحايا بين الأبرياء وإدانة من المجتمع الدولي باستخدام قوة غير تناسبية، وأكثر من ذلك تشير عدم رغبة الدول الغربية بالاعتراف بواقعة مسؤولية ساكاشفيلي على الكارثة الإنسانية في أوسيتية الجنوبية -التي جاءت كنتيجة أعمال عسكرية جورجية وتجاهل محاولات بعض المنظمات العربية لحماية الحقوق أن تحاكم العسكريين الإسرائيليين رفيعي المستوى بتهمة الجرائم العسكرية (شارون مثلا)- تشير إلى أن الولايات المتحدة والمنظمات الدولية الخاضعة لها تقدر نشاطات قادة الدول المختلفة انطلاقاً من (سياسة الملاءمة) وموافقة هذه الدول لمتابعة السياسة الأمريكية.