في اليوم الأول للميزان تأتي ذكرى غالية تُذكرنا بملحمة الكفاح والجهاد التي قادها مؤسس هذه البلاد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيّب الله ثراه - والتي استمرت أكثر من ثلاثين عاما توجت بإعلان قيام المملكة العربية السعودية كدولة تستظل براية التوحيد وتستمد نهجها في كل شؤونها من نبع الشريعة الإسلامية الغراء الذي لا ينضب والمرتكز على كتاب الله وسنّة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، ففي اليوم السابع عشر من شهر جمادى الأولى 1351هـ أصدر الملك عبد العزيز - طيّب الله ثراه - مرسوماً ملكياً يحمل الرقم 2716 يقضي بتغيير اسم مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها إلى اسم (المملكة العربية السعودية)، وذلك اعتباراً من يوم الخميس الأول من الميزان عام 1309هـ - ش الموافق 21 جمادى الأولى 1351هـ الثالث والعشرين من شهر سبتمبر 1932م واعتبر هذا اليوم ذكرى عطرة لإقامة هذا الكيان وجمع شمل الأمة وتوحيد الكلمة تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فنظم الملك عبد العزيز - رحمه الله - دولته ووزع مسؤولياته وقام بتحسين وضع المملكة الاجتماعي والاقتصادي واهتم بالتعليم وتوفير كافة الخدمات الضرورية للمواطن.
وأرسى القائد المؤسس قواعد دولته الفتية على أرض الجزيرة العربية فبدّل خوفها أمناً وجهلها علماً وفقرها رخاءً وازدهاراً، فاستطاع أن يضع الأساس الراسخ لنظام إسلامي شديد الثبات والاستقرار ولم تقتصر جهوده على البناء الداخلي، بل سعى إلى توثيق العلاقة مع الدول المجاورة وامتدت إلى كافة الدول العربية والإسلامية وزرعت جذورها إلى أن وصلت إلى الدول الكبرى، فمد جسور التعاون والتقارب وتبادل المنافع، فكانت إحدى سماته العمل على وحدة كلمة المسلمين والتضامن معهم وجمع كلمتهم.
لقد كان - رحمه الله - وحيد زمانه بما اتصف به من مقومات شخصية فذة عميق الإيمان دائم الاعتماد على الله تعالى يملك خبرة واسعة بشؤون السياسة، وكان حكيماً فطناً يحسب للأمور حساباتها، وكان شجاعاً مقداماً قائداً عسكرياً يجيد رسم الخطط الحربية وينفذها، خبيراً بالقبائل والمجتمعات البدوية والحضرية والبلدان شديد التمسك بدينه فلا يتهاون إزاءه ولا يهادن، وكان رقيق القلب مرهفاً عطوفاً يهمه أمر شعبه وشؤون المسلمين في أصقاع المعمورة نذر عمره للجهاد وإعلاء كلمة الدين وإرساء قواعد العدل والمساواة، توفي في الثاني من ربيع الأول عام 1373هـ الموافق 9 نوفمبر 1953م، بعد أن أقام دولة التوحيد مبقياً اليوم الخامس من شوال عام 1319هـ الموافق 15 يناير 1902م علامة فارقة في تاريخ المملكة، ففيه فتح مدينة الرياض ومنها بدأت مسيرة موفقة لاستعادة ملك آبائه وأجداده من خلال بطولة نادرة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها.
بعدها شرع في توحيد مناطق نجد تدريجياً، فكانت وقعت الدلم الشهيرة عام 1320هـ التي هزم فيها ابن رشيد بعدها خضعت الخرج والحريق والحوطة والأفلاج ووادي الدواسر، ثم توجه إلى الوشم فدخل بلدة شقراء ثم ثادق ثم انطلق إلى سدير وضمها إلى بوتقة الدولة السعودية الحديثة، وتمكن - رحمه الله - خلال الفترة من 1321 - 1324هـ من توحيد منطقة القصيم، بعد أن خاض العديد من المعارك الفاصلة منها معركة الفيضة والبكيرية والشنانة وأخيراً معركة روضة مهنا في 18 صفر 1324هـ، وهكذا إلى أن وحّد عموم أرجاء الوطن في رحلة طويلة تميزت بالانتصار، حيث ضم الحجاز عام 1344هـ وولّى ابنه الملك فيصل - رحمه الله - نائباً عاماً عليها كما أسند إليه رئاسة مجلس الشورى، وفي 19 شعبان 1350هـ صدر نظام خاص بتأليف مجلس الوكلاء وإنشاء عدد من الوزارات، وكان من ضمن المؤسسين لجامعة الدول العربية عام 1365هـ، وقام بتوطين البادية وقام بتوسعة الحرمين وتوفير الخدمات للحجاج بدءاً من عام 1370هـ.
وفي عام 1357هـ استخرج النفط بكميات تجارية في المنطقة الشرقية مما ساعد على ازدياد الثروة النقدية التي أسهمت في تطوير المملكة وتقدمها وازدهارها وإنشأ مؤسسة النقد، بعد أن بدأت العملة السعودية تأخذ مكانها الطبيعي بين العملاء وقدم العون والمساعدة للمزارعين للنهوض بالزراعة وإنشاء الطرق البرية ومد سكة حديد الرياض الدمام وربط المملكة بشبكة من المواصلات السلكية واللاسلكية، ووضع نواة الطيران المدني عام 1945م ومد خط أنابيب النفط من الخليج إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، وافتتح الإذاعة السعودية عام 1368هـ وقام بمكافحة الأمراض وتوفير الخدمات الصحية وأنشأ المستشفيات ووضع نظام الجوازات ووفر الخدمات للحجيج ودعم التعليم وأسس مديرية المعارف، وقدم كل جهد في سبيل رفعة كافة مناحي الحياة، إنه أنموذج الإنسان الملك المؤسس، فكان حقاً علينا أن نترحّم عليه ونشيد به ونذكره ونشكره .. وما هذا اليوم إلاّ ذكرى مباركة لهذا البطل وذكرى لتأسيسه هذا الوطن الكبير جزاه الله الجزاء الأوفى .. وبالله التوفيق.
المستشار الشرعي والباحث الإعلامي