Al Jazirah NewsPaper Friday  26/09/2008 G Issue 13147
الجمعة 26 رمضان 1429   العدد  13147
لا مكان للضغينة في قلب المؤمن
حمد عبدالرحمن المانع

لكل فعل رد فعل، وهذه طبيعة الأفعال إذ إنها ستجلب الرد ولا ريب، غير أن ما يتوجب التنبه له وفق تقدير المسائل على نحو متزن هو الفعل ذاته، فإذا كان الفعل غير جميل فإن رد الفعل سيكون كذلك كنتيجة تلقائية، وتتشكل الأفعال في ضوء المعطيات التي تفرض هذا الفعل أو ذاك، من هذا المنطلق فإن الهدوء وعدم الاستعجال في التعاطي مع الأمور المختلفة يدل على التفكير الخلاق والأخلاق الجميلة التي يتصف بها من كان طبعه الهدوء، والذي غالباً ما تكون أفعاله جالبة للخير والسعادة حينما تنطلق من رؤية متزنة يحفها الاطمئنان وتحدوها مخافة الرحمن، ولا ريب أن رد الفعل سيكون موازياً لهذا التصور الجميل، بيد أن المنغصات في الأفعال وردودها تأبى أن تخرج من هذه المسائل خالية الوفاض يعزز من تواجدها إبليس اللعين الذي لا يرغب الخير لأحد، فيجند أعوانه لنثر الأوجاع المختلفة والمآسي المتكررة، عندما تخترق الوساوس القلب فتحدث الثقوب تلو الثقوب، وكل هذا استدراج واختبار حقيقي في هذه الحياة، فالإنسان يحرص على رصيده البنكي ويخشى أن يفقد الدراهم ويتحسس من هذا الأمر، غير أنه في التفاعل مع الرصيد الفعلي وهو كم من الخير وعمله لا يلقي له بالا فيسب هذا ويشتم ذاك، ويمشي بالنميمة ويحدث الضغينة والأحقاد بين الناس، فيؤسس خلية بائسة كئيبة بفكره السيئ وأخلاقه الرديئة، ولن ينال غير الخسران وضياع رصيده الحقيقي ليس في الآخرة فحسب بل في الدنيا كذلك، فلم يكن علام الغيوب تقدست أسماؤه غافلاً عما يعمل الظالمون، بل إن كيده متين، ومن البدهي أن يكون التجاذب والأخذ والرد بين الناس سواء في التعامل فيما بينهم أو بين المرء وأفراد أسرته وأقاربه وأبناء المجتمع بصفة عامة، وفي خضم الشد والجذب تنشأ بعض الحزازات التي تنمو صغيرة فلا يتوانى الشيطان في إروائها لتنمو وتكبر وتصل إلى حد القطيعة بل وإلحاق الأذى بالآخرين، كل هذا الأمر يتم ربما في خلال ثوان معدودة، وحينما يصل الأمر إلى هذا الحد فإن هناك حتما حلقة مفقودة وصلة مقطوعة مع من خلق الأسباب ومسبباتها لينشط في ظل هذا الفراغ الروحي من يملؤه بالإثم والعدوان، ولا تكمن المشكلة في طبيعة العمل من حيث إدراك الظلم والاعتداء، بل إن الجميع مؤمنون بالمبادئ والقيم الدالة على الخير واجتناب الشر، إلا أن الغفلة وقانا الله وإياكم شرورها لا تلبث وفي خلال ثوان معدودة أن تزين الإثم لتمتد أياديه الملطخة بالخزي من تهور وعناد واندفاع ورعونة، وتسحب المغفل إلى حيث الشكوك المؤذية والمآرب المخزية.. دعونا نجرب صيغة التعامل على مقياس الإعادة بالحركة البطيئة، فلو أعاد الإنسان كلامه أو فعله بالحركة البطيئة فإنه سيدرك حتما بأنه جانب الصواب في عمله كله أو جزء منه، فكيف يرضى بأن يكون صيدا سهلا لمن يتربص به وبرصيده؟

ويختلف التجاوز من حيث التقييم حيث يتباين مستوى الأخطاء فمنها ما هو شنيع ومنه ما هو أقل من ذلك، غير أنه لا يختلف من حيث القياس أو بالأحرى المبدأ، فالمبدأ أشبه بلوحة تشكيلية رائعة الجمال بخطوطها الجذابة وتناسق ألوانها، بيد أنك لو سكبت نقطة حبر أو علبة الحبر بكاملها، فإن النتيجة واحدة، وهو غياب الروح والمعنى، حيث إن نقطة الحبر ستشوه المنظر بأكمله شأنها بذلك شأن سكب العلبة بأكملها، من هنا تبرز اللامبالاة التي تتيح المساحات الرحبة لاجترار الأخطاء تلو الأخطاء على حين أن الاستشعار مرتبط بالإحساس والإحساس بحاجة دائمة إلى التغذية والتنشيط، والتذكير والمتابعة، وما لم يتم صيانة الإحساس على الوجه الأكمل، فإن الشعور بقيمة الصواب والخطأ ستتلاشى ومن ثم فإن تبلد الحس سيطغي على الشعور وبالتالي فإن فساد اللوحة الجميلة سيكون النتيجة الحتمية، وفساد اللوحة يعني فساد العمل ومآلات هذا الفساد تؤدي ولا ريب إلى الخسارة الفادحة، فكلما سيطر الهدوء على العقل كلما اكتست المشاعر بوافر من التأني وضبط النفس وكانت البراعة جسراً سهلاً للمحافظة على الجمال المعنوي، جاء رجل إلى عمر بن عبيد وقال له: (إني أرحمك مما يقول الناس فيك)، فقال: (أسمعتني أقول فيهم شيئا) قال: (لا)، قال: (إياهم فارحم).. تأملوا كيف كان رد الفعل وكان القياس الدقيق لمعيار الكسب والخسارة، فلم يغضب ولم يتشنج بل أدرك بأنهم أضافوا إلى رصيده مزيداً من الحسنات جراء الغيبة والنميمة التي أصابته، إنه الاعتناء بالإحساس، والحرص على جماله وروعته مما يجعل اللوحة الجميلة تزداد بهاء وجمالا، ليس فقط حينما يراجع الإنسان نفسه ويراها متألقة براقة في خياله بل في حسابات أخرى لا يدركها إلا صاحب القلب الكبير والوعي المستنير، وهكذا فإن صيغة الضغينة ليس لها حيز في قلب المؤمن الذي يعرف كيف يضبط حساباته جيدا فلا تجعلوا من الأخطاء الصغيرة، وربما لم تكن مقصودة، مدعاة لشرخ اللوحة الجميلة، فالتسامح والصفح والعفو من شيم الكرام ناهيك عن أن رد الفعل المتزن لا يلبث أن يعيد الكرة إلى من فعل الفعل فيخجل من نفسه ومن تصرفه وقد يكون هذا سببا في تصحيح سلوكه، وتقويم أقواله وأفعاله، إن التعلم بالحكمة والخبرة والمعرفة، فإذا أخطأ من هو أصغر منك سناً فإن الواجب في هذه الحالة أن تأخذ بيده ولا تأخذ عليه، فكما تعلمت ممن سبقوك فحري بك تعليم من يلحقوك، لتمتد الآثار الجميلة الرائعة وتثري بفنونها الجميلة أجمل معاني الحب والتسامح.



hamad@asas-re.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد