شعرت بيد قوية تعتصرني وبالذات قلبي حينما مررت بتلك الديار، والتي شهدت أحداثا كثيرة مررت بها وأنا صغيرة السن!! حينما عدت إليها لمجرد تذكر تلك الأيام.. عصرني الألم وقلبت نظري فيها متأملة تلك الجدران والتي عشنا بين جنباتها حينما كانت قلوبنا واسعة جداً تتعدى تلك الجدران الضيقة والمعيشة الصدئة.. كانت هناك نوافذ واسعة تطل على أفق واسع مليء بكل ما هو جميل نتطلع منها دائماً فتنير دروبنا، تلك النوافذ لم تكن موجودة في منازلنا بالحقيقة ولكنها في قلوبنا وأعيننا نرى بها حياتنا وكل من يحيط بنا فتزهر قلوبنا وأرواحنا وتشمر مواقفنا مع كل من يحيط بكل شيء رائع وجميل ونبيل..
الآن يا ترى وفي كل تلك المساكن الجميلة والقصور الفارهة.. أتلك النظرة المزهرة مازالت موجودة.. أتلك الأرواح الطاهرة البريئة مازالت تعيش بيننا؟! الحقيقة المؤلمة أنه لم يعد هناك الإنسان المعطاء والذي لا يشوه عطاءاته النظرة الروتينية أو المتسلطة أو المترفعة أو المستهزئة أو السلبية أو الأنانية..!! حتى أننا بتنا لا نجد تلك الشخصيات المتكاملة التي نلجأ إليها بعد الله رامين عليها كل آلامنا وهمومنا فتمسح علينا بآرائه الحانية المتعقلة ويأتي إليها خصمنا ويجد منها ما وجدنا!! تلك الشخصيات هي فقط روائية!! ولا تمت لأرض الواقع بصلة!! نحن نعيش في غابة بشرية ليس فيها عظماء بل فيها أقوياء، أغنياء يديرون ويحركون الجميع.. ويصفق لهم العالم وهم أبعد ما يكونون عن العظمة الحقة!! كل ما أردت قوله إنني وجدت في منازلنا القديمة وحياتنا البسيطة ما لم أجده في تلك الحضارة التي نعيشها.