ها هي العشر الأواخر تحط رحالها بين محبيها تحمل بين طياتها بشائر الخير وبوادر الاستبشار، لقد مضى من هذا الشهر ثلثاه ولم يبقَ منه إلا الثلث والثلث إذا بارك الله وقبل فهو كثير، لقد فرط الناس فيما مضى من هذا الشهر فخسروا وسيندمون، وشمر آخرون فربحوا وسيسعدون، ولقد أبقى الله منه ما فيه عن الشر مزدجر، وإلى الخير مفر، وذكرى وعبرة لكل معتبر، إنها العشر الأواخر حاملة الأسرار والبشائر.
تميزت هذه العشر بما ميزها الله بها، ولا أخال مسلم عرف ما فيها يسعه التفريط في أمرها، إن الواقع الذي يعيشه كثير من الناس اليوم هذه العشر حقيقة يندى له الجبين ويحزن له القلب، ولو قيل إنها عشر الأسواق لكان هذا هو الصواب، فما إن تدخل هذه العشر إلا ويبدأ الاستعداد للعيد من تجهيز الملابس وغيرها وهذا يتطلب عند البعض الذهاب إلى الأسواق يومياً، إنه عين التفريط والحرمان، فلعل العقلاء يدركون هذا جيد فيسعون لما يعود عليهم بزيادة الحسنات واستغلال الأوقات، إن في العشر الأواخر من الخصائص الشيء الكثير فمن خصائصها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيها بالعمل ما لم يجتهده في غيرها ففي الصحيحين قالت عائشة رضي الله عنهما: كان النبي إذا دخل العشر شذ مئزره وأحيى ليله وأيقظ أهله.
ومن خصائص هذه العشر الاعتكاف وهو لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل، وهو من السنن الثابتة التي كادت أن تهجر في هذا الزمان، فعن عائشة رضي الله عنهما قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده. وهنا أمر يحسن التنبيه عليه لدى من يرغب في الاعتكاف وهو أن بعض من يعتكف لا يفقه أمر هذه العبادة فتجد المسجد وكأنه بيت مزار يدخل هذا ويخرج ذاك ويكثر الكلام في غير فائدة بل ربما كان مكروهاً أو محرماً ويكثر في مكان المعتكف موائد الأكل وغير ذلك، وليدرك المعتكف أن الاعتكاف انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة ربه طلباً لفضل الاعتكاف وتحرياً لليلة القدر، فلابد وأن ينشغل المعتكف بالذكر والصلاة والقرآن وما يقدر عليه من أنواع العبادة.
ومن خصائص هذه العشر أن فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فقد ثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان. ليلة القدر وما أدراكم ما ليلة القدر، فيها من الفضائل الشيء الكثير، فهي التي أنزل فيها القرآن {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}الفضيلة الثانية الاستفهام المراد فيه التفخيم في قوله تعالى {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، الثالثة أن العبادة فيا خير من العبادة في ألف شهر. الرابعة أن الملائكة تتنزل فيها وينزل معهم جبريل عليه السلام والملائكة لا تنزل إلا بالرحمة والخير. الخامسة أنها سلام من العذاب والعقاب فهي أمن وأمان. السادسة: أن الله أنزل في فضلها الآيات التي تتلى إلى يوم القيامة. السابعة: أن من قامها أماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
حقاً إنها العشر الأواخر، فسارعوا إلى مغفرة من ربكم.
حائل
www.hailqq gmail.com