الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
دعونا نتأمل بعض الأحاديث الواردة في زكاة الفطر لنعلم الحكمة منها:
* عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة. أخرجه البخاري ومسلم.
* عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات أخرجه أبو داود، والحاكم، قال الذهبي: على شرط البخاري.
* عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، وقال: أغنوهم في هذا اليوم. أخرجه الدارقطني.
* عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج زكاة الفطر عن كل صغير وكبير وحر ومملوك صاعاً من تمر أو شعير قال وكان يؤتى إليهم بالزبيب والأقط فيقبلونه منهم وكنا نؤمر أن نخرجه قبل أن نخرج إلى الصلاة فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسموه بينهم ويقول أغنوهم عن طواف هذا اليوم. أخرجه البيهقي.
إن هذه الأحاديث تدل على ما يلي:
1- أن الحكمة من زكاة الفطر أن يشبع الفقير في ذلك اليوم ويفرح بالفطر فيتناول مثل ما يتناوله إخوانه الموسرون من طعام وشراب..
2- لهذا حرص الشارع أن يكون إخراجها قبيل صلاة العيد حتى لا يأكلها الفقير قبل العيد.
3- نلاحظ أن الأحاديث لم تتحدث عن كسوة لأنها زكاة محددة الهدف إذ لو قصد منها أن يغتني الفقير ويكتسي لاختلطت بالزكاة العامة وغيرها من وسائل التكافل المشروعة ككفارة اليمين..
من هنا ينبغي النظر إلى مقصود هذه الشعيرة وهي أن يظهر العيد بصورة تكافلية كأنما اتفق المسلمون فيه ألا يجوع في ذلك اليوم أحد.
4- لذا لم يكن سديداً ما ذهب إليه بعض الفقهاء إلى أن القيمة تغني عن الطعام معللين ذلك بأنها أنفع للفقراء..
إذ هذه العلة (كون القيمة أنفع للفقراء) موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بل لا يختلف عاقلان في أن النقد أنفع من السلعة (طعام أو غيره) ومع ذلك لم يأت في حديث واحد ذكر القيمة ولا حتى أن تكون أحد الخيارات في زكاة الفطر مع أن القيمة وردت في أنواعٍ من الزكاة كزكاة الماشية ففي البخاري: (من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقه فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً).
من هنا نقول: أما لنا أن نعيد تطبيق الحكمة من زكاة الفطر وليس فقط لمجرد أن يدفع المسلم كيساً من الرز عنه وعن أهل بيته كيفما اتفق، أو لمن صادفه في الشارع، أو لمن اعتاد أن يعطيه كل سنة ولو لم يكن محتاجاً، أو لمن وجده عند بائع الرز ممن يأخذها ثم يعود فيبيعها ليأخذها آخر وتعود إليه مرة أخرى أو إلى غيره ليبيعها في دائرة مغلقة..
إن كل ذلك أرجو أن يكون مجزئاً وإن كانت بعض الصور قد نشك في إجزائها،
ولكن في جميع الأحوال أليس من الأفضل شرعاً أن نتحرى في توزيع زكاتنا وصدقاتنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لميمونة لما اعتقت جارية عندها: (لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك) متفق عليه.
من أجل هذا كله أطرح مشروعاً يجسّد تلك الفكرة:
تتبنى الجمعيات الخيرية هذا المشروع لزكاة الفطر بالصيغة التالية:
* يمكن تسمية هذا المشروع (مشروع وليمة العيد).
* تعدّ قسائم لزكاة الفطر للفرد مثلاً 10 ريالات فمن رغب في ذلك ممن يريد دفع الزكاة، فيأخذ قسائم بعدد أفراد أسرته مقابل قيمتها، وهذا بمثابة توكيل الجهة الخيرية لشراء الطعام والتصرف فيه لصالح المحتاجين.
* ولا مانع من ذلك من حين دخول الشهر ولا يلزم الانتظار إلى ليلة العيد أو قبيل نهاية الشهر بيوم أو يومين لأن هذا مجرد توكيل وليس إخراجاً.
* تفتح الجهة الخيرية المجال لاستقبال طلبات المحتاجين بعد أن يكون هناك إعلانات لهم خلال أيام رمضان.
وهذا الاستقبال يكون بمثابة إخراج الزكاة فلا يكون إلا قبل العيد بيومين على الأكثر أي ليلة (28) من الشهر.
* نموذج طلب المحتاج عبارة عن رغبته في وجبة عيد ليتناولها يوم العيد فقط صباحاً أو ظهراً أو مساءً. ويسجل في نموذج الطلب عدد الأفراد وبقية المعلومات المهمة.
* يتم التعاقد مع مجموعة مطابخ تتعهد بتوفير الوجبات ويعطى المحتاج إيصالاً لاستلام الوجبة من المطبخ المحدد في الساعة المحددة.
* لا شك أن مثل هذا المشروع سيحتاج إلى مبالغ إضافية فوق زكاة الفطر وهي قيمة الطبخ وقيمة اللحم (أو الدجاج).
وفي نظري أن توفير مثل هذه المبالغ ليس عائقاً بل هو متحقق -بإذن الله- حين ينجح المشروع على المستوى الأكثر عدداً، فمثلاً 10 ريالات تمثل قيمة زكاة الشخص الواحد وهي بالنسبة له قليلة جداً بل كثير منا يدفع أكثر منها إذ يشتري كيساً عبوة (3 كيلوات) بـ12 ريالاً - أحياناً- ولكن هل (10) ريالات هي التكلفة الفعلية على الجهة الخيرية؟
لا شك أن الكميات الكبيرة توفر أحياناً 20% إلى 40% إلى جانب التخفيضات من تجار الجملة على الكميات الكبيرة وكذلك من المطابخ.
إذاً في النهاية قد تكون الجهة جمعت لزكاة الفطر مليون ريال ولم تكلفها الوجبات هذا المبلغ كله أو لم تتجاوزه.
ولو فرضنا أنها تجاوزته فإن من أعظم رسالة تلك الجهات الخيرية هي مثل هذه المشروعات، وكثيرون أيضاً من أهل الخير من يدعم هذا الفرق أو يتكفل به، وفي أسوأ الظروف يمكن إضافتها على المتصدق ولكن بشرط إشعاره بذلك وهي قليلة جداً عند توزيعها على قسائم الزكاة.
إن هذا المشروع أرجو أن تتحقق به حكمة زكاة الفطر ونتجاوز به بعض المظاهر التي لا تتناسب مع هذه الشعيرة. فيفرح الجميع بوليمة عيدٍ تجمع أهل البيت الواحد أو الأسرة الواحدة أو ربما ما هو أشمل من ذلك.
بريدة