مع كل إشراقه لذكرى توحيد الوطن تتهادى إلى ذاكرتنا نسمات هذا اليوم العظيم، حيث الأول من الميزان، عندما شهد العالم انطلاقة هذا الصرح المشيد والكيان الكبير ليسجل للتاريخ الإنساني عظمة الإنجاز الذي تحقق على يد البطل عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه، فقد تمكن بفضل الله ثم بعبقريته الفذة وإخلاصه العميق وجهوده المتواصلة، وقبل ذلك وبعده بثقته في ربه وإيمانه الراسخ في نصرته، تمكن أن يقيم ويرسخ دعائم هذا الكيان الذي جمع له وفيه كل أبناء شعبه في صورة من التلاحم والتكاتف والتآخي التي يسجلها تاريخ العظماء من الرجال حين يكون شغلهم الشاغل في حياتهم خدمة أوطانهم وعلو شأن رعاياهم من أجل حياة سعيدة رغدة آمنه.
فلقد تمكن العبقري البطل رحمه الله أن يجمع الشتات ويجعله قوة، وأن يحارب الجهل ويحيله نوراً وعلماً، وأن يبسط بفضل الله وكرمه دوجة الأمن والأمان والطمأنينة، على أرض شهدت من الأمن المستباح ما شهدت حتى تناقلت أخبار ذلك الحجاج على مر الأيام بعد أن كان الوصول إلى الأماكن المقدسة وتوديعها عملية شاقة، محاطة بالإخطار فصار الأمن بعد ذلك موضع الثناء والانبهار.
وإن كانت ملحمة بسط الأمن والاستقرار على ربوع الوطن هي محل فخرنا واعتزازنا على مدى الأيام فإن لروعة ما تحقق فيها على يد البطل عبدالعزيز ورجاله المخلصين ما يجعل التاريخ يسجل قصة الأمن في المملكة في صفحات الإنصاف التي تنطق وتتكلم لتشهد على أن ما تحقق في هذه الصحراء المترامية أطرافها، المتعاظمة أخطارها، إنما هو معجزة بكل المقاييس، حتى أن كل من يسجل لتلك الفترة من المؤرخين أو الدارسين والجهود والجهد التي تمت خلالها فإنه يقف وبإنصاف وتقدير ليربط بين ما تحقق من إنجاز وبين شخصية البطل عبدالعزيز - رحمه الله - ومواصفاته وطبائعه وسماته التي هيأته لتحقيق هذا الإنجاز وهذا أحدهم يقول: (لقد استلم عبدالعزيز ملكاً ضائعاً فجمعة، وبلاداً خربة فعمرها، وأمناً مباحاً فأقره، وشعباً جائعاً ففاض بين يديه الرزق، فهو ليس رجلاً عظيماً فحسب، ولكنه رجل مبارك كذلك، فقد كان ما بينه وبين الله عامراً).
إن هذا حقاً هو سر النجاح في خضم الصعاب وهو الطريق اليسير مهما تعاظمت المحن، فقد كان صفاء القلب والسريرة، من السمات المميزة لصقر الجزيرة، وكانت خدمة وطنه وبني شعبه وحرصه على مصالحهم وخيرهم هو التاج الذي ميزه بين زعماء وحكام العالم فقد كان هذا البطل العبقري يرى في نفسه أنه (أب) لأسرة كبيرة تتمثل في كافة أبناء هذا الوطن، وأنه مسؤول عنها أمام الله.
وبمثل هذه المسؤولية التي تحملها الملك المؤسس استطاع أن يجمع حوله قلوب أبناء الوطن في تلاحم يندر أن نجد له مثيلاً في عالمنا المعاصر، فقد ترسخ حبه في نفوس الشعب عن قناعة واقتناع، بعد أن رأوه آخذا بأيديهم نحو السعادة والرفعة والرخاء، وأنه يترجم بصدق ما كان يردده أمامهم (ما نحن إلا خدم لرعايانا) ولم لافقد سجل تاريخك أيها البطل المؤسس أنك عايشت أبناء شعبك سعادتهم والامهم وشاركتهم مشكلاتهم وأفراحهم، وأنك قد منعت نفسك ورجالك من أداء الحج عند الشدة والأزمات، وأنك قد خصصت ما ينفق على رحلة الحج ليكون عطاء للمحتاجين في الأراضي المقدسة ثم أشرفت بنفسك على توزيع الخبز على أولئك المحتاجين بعد أن اطمأنت نفسك العالية - يرحمك الله - على عدد ما ينتج من أرغفة بعد عمليات الطحن والعجن والخبز، التي أشرفت عليها وقت الشدة والحاجة.
إن هذه بعض الذكريات وغيرها كثير تهب نسماتها في ذكرى توحيد المملكة في الأول من الميزان من كل عام، تلك الذكريات تجعلنا ندرك بكل ثقة وفخر أن الملك المؤسس - رحمه الله - قد أقام هذا الكيان على أسس راسخة من التوحيد والعقيدة الصافية، التي تعلى شأن الإنسان وتأخذ بيده نحو الخير والسعادة، وقام هذا الصرح شاهداً على عظمة ما تحقق من مسيرة فوق أرض هذا الوطن، التي انطلقت مسيرته على يد الملك المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه - الذي غرس في أبنائه البررة عبقرية القيادة فامتدت المسيرة وتعمقت في عطائها، وجاء هذا البناء القوي المعبر عن دولة عصرية ناهضة، لها مكانتها المتميزة في مختلف الميادين فقد أشاد قادتنا صروحاً من الإنجازات التي يشار إليها بالبنان في حقول التنمية المختلفة، وجعلوا للمملكة أسمها المعروف، ومكانتها المشهورة في كافة المحافل الدولية واتجهت مواكب البناء والعطاء، إلى مجالات الحياة المتعددة وأصبح للمملكة أبناؤها المتميزون في تلك المجالات العلمية والتربوية والتقنية، والصحية والاقتصادية والسياسية وغيرها.
وقد تحقق لنا ذلك بفضل الله ثم بجهود حثيثة، بدأت منذ يوم توحيد هذا الوطن، على يد البطل عبدالعزيز رحمه الله.
وها هي المسيرة يرعاها ويقودها أبناء هذا البطل وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وإخوانهم الكرام الذين آلوا على أنفسهم متابعة المسيرة وإعلاء البنيان، وتحقيق الإنجازات تلو الإنجازات، ويبقى علينا نحن أبناء الوطن مبادلتهم حباً بحب، وثقة بالمزيد من الثقة والتلاحم، وأن نعمل جميعاً على خدمة وطننا كل في موقعة لتتسمر مسيرته وتزدهر.
إن علينا أن نكون عوناً لقيادتنا بمزيد من الولاء والانتماء لنشد أزر قيادتنا كما طلب منا ذلك خادم الحرمين الشريفين في كلمته السامية لنا نحن المواطنين حين قال: (أتوجه إليكم طالباً منكم أن تشدوا أزري، وأن تعينونني على حمل الأمانة، وألا تبخلوا على بالنصح والدعاء).
حفظ الله لنا وطننا مزدهراً على مر العصور والأزمان.
وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام – سابقاً