Al Jazirah NewsPaper Thursday  25/09/2008 G Issue 13146
الخميس 25 رمضان 1429   العدد  13146
معاً ضد المعاً ضد الإرهاب
د. فهد مطلق العتيبي

تعتبر ظاهرة الإرهاب من الظواهر الخطيرة في أي مجتمع من المجتمعات. حيث إن علاجها بحاجة إلى تكاتف الجانب الأمني مع الجانب الفكري، ولا يمكن أن تعتمد الدول على أحد الجانبين دون الآخر.

ومن هنا حرصت حكومة المملكة العربية السعودية في محاربتها لهذه الظاهرة على الاعتماد على هذين الجانبين. ويدخل ضمن الجانب الفكري في مكافحة الإرهاب ما نطرحه كنخب ثقافية في شتى وسائل الإعلام بالإضافة إلى البرامج الإعلامية الهادفة والتي تتناول هذه الظاهرة.

وكم أثلج صدري أن أجد أن ما أطرحه من خلال صحافتنا المحلية عن ظاهرة الإرهاب وكيفية معالجتها قد وصل إلى القائمين على برنامج (معا ضد الإرهاب)، والذي تقدمه المذيعة المتألقة فوزية العباسي.

يذاع هذا البرنامج الذي أتم الآن سنة ونصف من عمره من إذاعة المملكة العربية السعودية، القسم الأوربي وبالتحديد القسم الفرنسي.

وهو يخاطب جميع الناطقين باللغة الفرنسية سواء داخل المملكة أو خارجها. وقد حقق هذا البرنامج خلال هذه الفترة صدى كبيراً نظراً لفكرته وتمكن مذيعته.

قرر القائمون على هذا البرنامج استضافتنا لنتحدث إلى الجمهور الناطق باللغة الفرنسية ونبين له أن الإرهاب ليس مقتصراً على المسلمين، وأن هذا الوطن الغالي وحكومته الرشيدة هم من أوائل الذين حملوا على عواتقهم محاربة الإرهاب والتطرف.

بعد التعريف بنا للجمهور الفرنسي وبإنتاجنا العلمي لا سيما كتابنا الأخير (فن إدارة الذات)، بدأت المحاورة بسؤالي عن الإرهاب: ماهيته وعلاقة الشعب السعودي به؟. فبينت لها أن الإرهاب كداء السرطان الذي يمكن أن يظهر في أي جسد على سطح الأرض دونما اعتبارات للون الجسد أو لغته أو مكانه الجغرافي.. هكذا الإرهاب لا وطن له ولا دين. نعم قام بعض أبناء الأمة الإسلامية بأعمال إرهابية ساهمت في تشويه صورة دينهم وثقافتهم عند الآخر الغير مسلم. وهذا أمر غير مقبول. ولكن بالمقابل قامت عناصر أخرى تنتمي لديانات وثقافات أخرى بأعمال إرهابية. مما يؤكد عقم الرؤية التي تربط الإرهاب بالإسلام أو العرب دون سائر الأديان والثقافات.

عندها انتقل السؤال عن الإرهاب وموقف حكومة المملكة العربية السعودية منه، حيث بينت أن حكومة المملكة العربية السعودية تنطلق في حربها على الإرهاب من ثوابت الدين الإسلامي الحنيف. لذلك فلا فرق حين نتحدث عن موقف حكومة المملكة العربية السعودية من الإرهاب أو عن موقف الإسلام من الإرهاب. فالأمر سيان. فلقد أكد ولاة الأمر حفظهم الله أن من ثوابت المملكة قيادة وشعبا هو التمسك بالإسلام عقيدة ومنهاجا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخلفاؤه الراشدون. لذلك جاء موقف المملكة من الإرهاب موقفاً رافضاً بشدة. فالإرهاب لا يعدو كونه إجراما والمملكة تحارب الجريمة بكافة أشكالها.

فالمملكة ضد قتل النساء والأطفال والأبرياء وهدم الممتلكات. وهذا هو موقف الإسلام، فالإسلام ضد القتل. يقول الحق تبارك وتعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} (33) سورة الإسراء. كما يقول: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (68) سورة الفرقان.

والإسلام يحارب الفساد كما قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} (11) سورة البقرة.

ولكن المملكة وكجزء مهم من هذا العالم لم تسلم من الأخطبوط الإرهابي والذي يضرب في كل مكان، حيث تعتبر المملكة العربية السعودية من أوائل الدول التي اكتوت بنار الإرهاب. فالحاقدون والحاسدون لهذه الدولة المباركة على ما أنعم الله عليها من نعم ليسوا بالقليل. فكل ذي نعمة محسود. وعليه تعرض هذا الوطن الغالي لبعض الأعمال الإرهابية منذ فترة طويلة سابقة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر. يقول صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز لضيوف الجنادرية سبعة عشر: (نحن عانينا كعرب من الإرهاب، وعانينا نحن في المملكة العربية السعودية قبل أن نواجه ما حدث للولايات المتحدة الأمريكية، أو في أي مكان من العالم).

ولقد أثرت هذه العمليات الإرهابية على المملكة العربية السعودية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. فقد دمرت الكثير من الممتلكات واستهدف أبناء هذا الوطن وعلى رأسهم رجال الأمن البواسل. ولقد اتخذت حكومة المملكة موقفاً حازماً من هذه العمليات ونادت إلى مؤتمرات عالمية حول هذا الداء الخطير تتخذ على عاتقها تعريف الإرهاب واجتثاثه من جذوره. كما طالبت ليس فقط بمحاربة الإرهابيين أنفسهم بل من يؤويهم أو يدعمهم مهما كان نوع هذا الدعم أو يتعاطف معهم. وقد أصبحت هذه المناداة قاعدة للانطلاق العالمي اللاحق في محاربة هذا الداء اللعين.

وبهذا يكون موقف حكومة المملكة من الإرهاب قد سبق الأحداث المأساوية التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية. فقد عملت حكومة المملكة مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية للوصول إلى استراتيجية مكافحة الإرهاب وذلك قبل أكثر من عشر سنوات من الأعمال الإرهابية في أمريكا. كما نجحت المملكة في التوصل مع شقيقاتها الدول العربية إلى اتفاقية مكافحة الإرهاب التي وقعت في الجامعة العربية عام 1998م، حيث أجمعت الدول العربية على ضرورة وضع تعريف محدد وواضح للإرهاب وضرورة محاربته. ومن هذا المنطلق صدر عن مجلس وزراء الداخلية العرب ووزراء العدل نداء عاجل للوصول إلى اتفاقية دولية لمكافحة الإرهاب. وقد سلمت هذه الاتفاقية لبعض المنظمات الدولية كهيئة الأمم المتحدة.

ومما يميز موقف المملكة العربية السعودية من الإرهاب هو ثباته وإصراره على اجتثاث هذه الظاهرة من جذورها. وكونه موقفاً متكاملاً ليس بالعسكري فقط وليس بالثقافي فقط. بل يعتبر مزيجاً من الاثنين. يقول خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في حديثه لوكالة أنباء إيتارتاس الروسية: (ولكون الإرهاب يعتبر نتاجاً لفكر منحرف فإننا تعاملنا معه أيضاً من جوانبه الفكرية والثقافية تصحيحاً للأفكار الضالة الدخيلة على مجتمعنا). وهذا وبلا شك كان أحد الأسباب التي أدت إلى نجاح حكومة المملكة المنقطع النظير في مكافحة الإرهاب. وذلك لأن الحل العسكري وما يتبعه من عملية وسياسة تجفيف المنابع لا يمكن أن تلغي الأيديولوجية التي ينطلق منها الإرهابيون. بل على العكس تعززها. لأن هؤلاء الأفراد يموتون لأجل قضية يعتبرونها (مقدسة) في نظرهم وهم يدفعون حياتهم ثمن لها. وعليه فإن العلاج العسكري دون الفكري من الممكن أن يكرّس المفاهيم التي يؤمنون بها. أيضاً من مميزات الموقف السعودي الرسمي من الإرهاب هو أنه جاء تماشياً مع مصالح المملكة وقناعتها بعيداً عن التدخلات الخارجية.

وفي سبيل محاربة الإرهاب فكرياً نادت حكومة المملكة العربية السعودية بنبذ الغلو والتطرف في الدين لما لهما من دور كبير في توجيه الشباب نحو الإرهاب. ومن الإنصاف أن نذكر هنا أن محاربة الغلو في الدين من قبل حكومة المملكة العربية السعودية ليس أمراً طارئاً على سياسة ولاة الأمر حفظهم الله أو وليدة هذه الفترة. دعونا نتأمل الكلمات التالية للمؤسس الموحد والإمام المجاهد طيب الله ثراه.. يقول: (إن الإسلام شريعة سمحة لا غلو فيه، اختاره الله للمسلمين من بين الشرائع وفضله على جميع الملل. دين الإسلام، دين الإنسانية والسماحة، ولقد أرسل الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأشرف الكتب لخير الأمم وهو كتاب الله).

إن برنامج (معاً ضد الإرهاب) وغيره من البرامج المماثلة تضطلع بدور كبير في محاربة هذه الظاهرة فكرياً، فلكل القائمين عليه الشكر والتقدير.



alabri2@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد