في عصرنا الراهن لم يعد باستطاعة أي دولة من الدول أن تغلق بوابتها الخارجية على زعم خصوصيتها وتبقى بمعزل كامل عن قضايا العالم من حولها، فالمجتمع العالمي أصبح من التشابك إلى الدرجة التي تجعل من المستحيل اعتزال شعوب العالم.
فعلى سبيل المثال كثيرا ما نكتشف أن هناك متحفاً في مصر قد مولته فرنسا، وجسراً في اليمن قد بنته اليابان، أو مشروعاً لحماية أطفال الشوارع في غواتيمالا تغطي مصاريفه ألمانيا.
المسؤولية بين الدول باتت مضاعفة، فالمرض والجهل والفقر يولدون الجريمة التي بدورها تولد الإرهاب والعنف، الذي سرعان ما يتجاوز حدوده ليس للأقطار المجاورة فقط بل لعموم العالم.
بعد العدوان الصهيوني الأخير على لبنان عام 2006م، كان لإيران ذراع طويلة، ليس فقط من خلال تقديم الدعم العسكري لحزب الله ولكن أيضاً على مستوى الدعم اللوجستي والامدادات وفرق الاغاثة والإعانات المقدمة للمتضررين، بل أيضاً خصت أبناء الطائفة الشيعية في لبنان بشيكات جاهزة كتعويض عن مساكنهم المتضررة جراء القصف الإسرائيلي.
ولا بد هنا أن نسلم بأنه نتيجة للفسيفسائية الطائفية والمذهبية في لبنان مع غياب الحكومة المركزية القوية، تحول لبنان إلى حلبة لعروض القوى في المنطقة، تمارس فيه الدول والتيارات والأيدلوجيات المجاورة صراعها وتكتيكها الرامي إلى فرض السيطرة والاستحواذ واستقطاب الحلفاء.
ليس هذا فقط بل شراء الأصوات والمؤيدين والجمهور لاسيما أن المؤسسات الإعلامية هناك نشطة وذات خبرات عريقة، وقادرة على توجيه جزء كبير من الرأي العام في الشرق الأوسط.
وعندما تقدم المملكة إلى لبنان هبة تستهدف طلبة لبنان ومدارسهم وحقائبهم المدرسية، هبة ستنقذ النظام التعليمي بكامله من الانهيار في بلد صغير يعاني من ويلات حروب متصلة، فإن المملكة هنا تقوم بدورها المتوقع والحيوي في المنطقة، وبداخل منطقة حساسة ومضطربة تتنازعها الولاءات والانتماءات.
فالمملكة هنا لم تقدم السلاح، ولم تحاول أن تبتاع الذمم والنفوس، كل ما هنالك أنها استهدفت طلاب مدارس لبنان عموم لبنان.. ولجميع اللبنانيين.
لذا أستغرب تلك الأصوات المتذمرة التي ترتفع بعد كل هبة تبذلها المملكة لمحيطها (مؤدية في هذا دورها الريادي في المنطقة) ويتناسون أن البذل والعطاء هو جزء من ضمان الاستقرار وتحقيق الأمن القومي الوطني، ويندرج في جزء كبير منه تنظيم التحالفات وترتيبها من حولنا، وجميعنا يعرف بأن الأمن القومي لا يقتصر على الحدود فقط بل يتجاوزه إلى العمق الاستراتيجي لتلك الحدود.
وبعدين يا جماعة.. رمضان كريم وهو شهر الخير والعطاء، وفي المستقبل سيكون بداخل قلب كل طفل لبناني باقة امتنان للسعودية التي أشرعت بوابة مدرسته وقادته إلى الصف.. وليس إلى أحضان الحرب أو المليشا.