Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/09/2008 G Issue 13142
الأحد 21 رمضان 1429   العدد  13142
حورية من الأرض إلى الجنة إن شاء الله
بدر البسام

دنيانا فانية، تحصد الأخضر واليابس، الإنسان والحيوان، بسرعة هائلة لا نتمكن من تداركها أو المطالبة بإبطائها فكل من عليها حتماً سيتوقف نبضه وتتعطل به ساعة الزمن، عبارة درجنا على أن نتعامل أمامها ومعها بأي حس أو إدراك، قد تجبرنا الظروف على فهمها للحظات لكنها تظل عابرة نرجع منها كما كنا قساة غافلين نحتفل بتأخرنا عن الفهم وبرودة أعصاب.

تحتضن هذه الأرض، شئنا أم أبينا برضانا أو غصباً عنا أشخاصاً جاؤوا لهذه الدنيا بكل هدوء ورحلوا عنها كذلك بهدوء، هم فقط قلة من الناس الذين لا نملك مع رحيلهم إلا الدمع والدعاء فلولا ما زرعه الله في أمته لتساقطنا واحداً تلو الآخر عند فراق عزيز أو قريب.

رحلت عنا قبل أيام من دنيا الظلام إلى نور الله، (أخت) عاشت ورضيت وعانت واحتسبت بكل ما قسمه الله لها من مصاعب، مع ذلك لم تكن يوماً سبباً في عدم سير حياتها بشكلها الطبيعي فقد رزقت بالزوج والأبناء وعاشت معهم وبينهم لآخر لحظات عمرها، صارعت جميع ظروفها بمدد وقوة من الله، بث الله فيها من القوة والصبر والاحتمال ما لا نعلمه نحن البشر، وكانت بحق سيدة هذه الأرض عندما فرضت احترامها وتقديرها على الجميع، نحسبها كذلك والله حسيبها.

لقد كانت (أم عبد العزيز) على الموعد مع بارئها، طلبها دون غيرها فلبت روحها على الفور، فما أحلاه من رحيل، أبت روحها أن تفيض إلا في شهر الله العظيم وهي صائمة وعندما استمتعت بإفطارها في السابع من رمضان هذا العام، وأبى ملك الموت أن يقبض روحها إلا وهي في بيتها وبين بناتها فلم تترك يدها أيديهن لا تبرج ولا سفور لا روائح ولا عطور، كان كل ما حملته قبل أن تغلبها سكرة الموت رائحة الصيام، فهنيئاً لك بهذا الرحيل.. وهنيئاً لك وأنت تغادرين إلى الله حافظة لبيتك وملكت رضا زوجك وأبنائك.. وكان لاسم أختنا الفاضلة الكريمة ابنة الكرام الكثير حيث احتوى السمو والرفعة وكان أن رفعها الله إليه -بإذن الله- في أعلى شأن وأعلى منزلة.

سألت بناتي وطفلي الصغير لماذا أحببتم خالتكم ولماذا بكيتم عليها عندما علمتم بوفاتها وطلبت من كل منهم أن يذكر محاسنها فجاءت إجاباتهم حاوية لكل التعابير والمشاعر التي ملؤها الحزن والفرح والسعادة والخلق والأدب والاحترام وصفات حملتها وعبرت عنها وفاضت بها في حياتها لكل من حولها وأثناء عمرها ولم نعرفها إلا بعد مماتها.

تشرف بيتي قبل أيام قلائل من هذا الشهر الكريم باستضافة هذه الفاضلة الكريمة، وحقاً لقد سعدت في ذات الوقت عندما كنت أشاهد بناتها الصغيرات وهن يلهين مع طفلي الصغير، لم أحس أبداً الفرق بينهما، وعظم شأن والدتهم عندما تعاملت بكل مهنية وبحنان الأمومة مع طفلتها الصغرى عندما تعثرت وأطلقت صرخات الألم، وكنت كل ما أسأل عن كيف حال الطفلة وهل تحتاج للعلاج فذكروا لي بأن والدتها تعاملت مع هذه الحالة وهي في مكانها لم تغادره وأن طفلتها على أحسن حال.

غادرتنا (أم عبد العزيز) هذه الفاضلة الكريمة من بيت في الأرض إلى بيت في الجنة فو الله أنني أرى فيها - بإذن الله- أنها إحدى حواري الجنة، ولا نقول إلا كما قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} وحديثي هنا لزوجها الصابر المحتسب: صبراً يا فهد، إن الله أحبك وابتلاك ليجعل من صبرك قوة وقائداً في رعاية أبنائها وإكمال مسيرتها.. وصبراً لابنها عبد العزيز وأنت البار بوالدتك فصلِّ وادع لها وتصدق ولا تنسها.. وصبراً يا هند وأنت كبرى أخوتك البنات وقد حصلت على وظيفة الأم البديل وأنت بريعان الشباب رعاك الله وثبتك.. هنوف وأنت الطفلة الصغيرة لكنك بالفهم والحديث كبيرة.. نورة القعدة ضحكاتك لا تفارقك وابتساماتك يتحدثان عنك بعفوية الصغار فأرجو الله أن لا تفقديهما حفظك الله.. جدهم.. جدتهم.. أخوالهم.. وأعمامهم، لا تنسوهم احتضنوهم اعطفوا عليهم حبوهم أشعروهم أن والدتهم ما زالت معهم وبينهم حتى يروا النور ويشتد عودهم.. ولكم جميعاً هي الآن معكم جسداً بلا روح تراكم تجلس بينكم تأكل معكم تداعبكم، وبإذن الله ستلف بجناحيها أبناءها وسيرونها ويستمتعون بالنظر إليها يوماً وهي بأزهى وأحلى هيئة، فهي الحورية التي تركت الأرض وانطلقت إلى السماء.

لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ولتصبروا وتحتسبوا، اللهم ارفع درجتها في المهديين واخلفها في عقبه في الغابرين واغفر لنا ولها يا رب العالمين اللهم تقبلها القبول الحسن واجعل قبرها روضة من رياض الجنة واجعلها من أصحاب اليمين وثقل موازينها بكل ما حملته وعانته في حياتها والدنيا إنه سميع مجيب.

الرياض



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد