من منا لاتهمه هذه الظاهرة، البطالة بين الشباب، وآخرون يسمونها العطالة وأحسب أنهم على حق فمن أسباب البطالة هي العطالة، وأسباب العطالة هي أسباب كثيرة منها:
1- عدم التوعية الجادة المشتركة ما بين الأسرة والمجتمع، فبدلاً من التوعية الإيجابية بالحض على العمل وإنكار الذات والكسب الحلال والاقتداء بالآباء والأجداد وآباء الأجداد الذين كدوا وكدحوا وصنعوا وزرعوا وبنوا منازلهم واكتفوا بإمكاناتهم الذاتية منذ نعومة أظفارهم حتى شاخوا، وكانت الحاجة هي أم الاختراع فلم يكن من الأخطاء والفراسة أحيانا والاهتمام والرغبة الأكيدة في إتقان المهنة ونتائجها الضيقة والتحلي بالصبر والسعي إلى بلوغ الأجر والثواب من الله الكريم قبل خلقه، فكان كل شيء يرجعونه إلى الله وجزاه الآخرة قبل الدنيا فلم تكن الدنيا هي همهم ولا مبلغ غايتهم ومطمعهم، وكان الأوائل الذين نحن أنباؤهم أو أحفادهم يمتثلون بالأقوال المأثورة عن السلف الصالح في موضوع الجزاء والثواب بدءا بقوله: (رحم الله من صنع صنعة فأتقنها) و(اخشوشنوا فإن النعم لاتدوم)...الخ
2- انطلاقا من هذه الظواهر المأثورة فكان لزاما على الجميع حض أبناءهم على العمل والتعلم في المجال المهني والصناعي ونبذ الاتكالية على الكفاية والقناعة بما يوفره الأهل والركون إلى الدعة والراحة وترك مجال المهنة للأجنبي الذي تراه أصبح سيدا في بلادنا يملك ويتحكم في أمورنا الحياتية اليومية من مأكل ومشرب ومنتج ونحن ننظر إليهم كأنما أوقع بأيدينا بأمر لم يكن لنا فيه حول ولا قوة، والحول والقوة بيد الله سبحانه وتعالى الذي أعطانا الإمكانات الهائلة ولكننا تركنا، تركنا لبها واكتفينا بالقشور فالمهن تدر على أصحابها دخولا لاتكاد تصدق فالسباك لا يقنعه المرتب بل يشترط المبلغ الذي يريده لأي عمل بسيط، وقد يصل دخله اليومي الخمسمائة ريال، وكذا الكهربائي أو الطباخ أو الحلاق والدهان والبناء وغيرهم بينما يطالب أبناؤنا بمرتبات محددة تزيد قليلا عن مرتب العامل الوافد.
3- خير الرزق ما اكتسبته من عرق جبينك ومن كد يدك، ويجب أن نتناسى الأمم التي سبقتنا في التطور والتحضر وأن من أسباب ذلك هو العمل المهني والصناعي والاعتماد على الناتج الوطني من أبناء الوطن وليس من الأجنبي الذي هو ثوب عارية وثوب العارية لايدفئ وان أدفأ لايدوم.
4- يجب أن ننظر من حولنا إلى أولئك الذين جعلوا من رياضتهم اليومية وهواياتهم الخاصة هي المهن سواء أكانت تجارة أو حرفة أو زراعة حتى وإن كانوا في مناصب عالية جدا، ففي المهن - إلى جانب أنها مصدر رزق - هي بناء للأجسام والذهن وكبح لجماح النفس التي تأمر بالخمول والهوان.
5- الأسرة مسؤولة مسؤولية كاملة عن الابناء وتوفير الحياة الكريمة لهم وليس معنى ذلك هو التدليل والخمول والتهوين والنتيجة هي تبلد الإحساس وتميع المشاعر مما سينتج عنه رجل عاطل واتكالي، رجل اعتماده على الآخرين فلا يحس بالحياة لاطعما ولا رائحة طالما لم تتحرك مشاعره ولا أطرافه يوما ليقدم خدمة لنفسه أو لأهله أو لوطنه، إنسان خامل وكسول وان ورث ثروات وأموالا طائلة جمعها مورثوه بالكدح والعمل الدؤوب.
6- أبناؤنا أكبادنا تمشي على الأرض وهم قرة عيوننا التي سنحاسب عنهم، وقد يكونون سببا في عقابنا إن أسأنا تربيتهم أو جزاءنا إن أحسنا إليهم والإحسان إلى الأبناء ليس بتوفير المأكل والمشرب وحسب بل التربية السليمة ابتداء بأمور العبادة وخاصة الحدود الشرعية التي أمر الله بها، ولكن هناك التربية الإيجابية ليصبح الابن عضوا فعالا في المجتمع منكرا للذات معتمدا على الله ثم على نفسه مقتديا بالقدوة الحسنة ومبتعداً عن مواطن الشر والسوء.
7- ننبذ التوجيهات المختلفة التي تعيب المهن وأصحاب المهن ومنهم الصناع والزراع وكنتيجة لهذه التوجيهات ومروجيها ومن يحث عليها هم أسباب التخلف الذي تعيشه فئات كثيرة من المجتمعات في بلادنا وغير بلادنا، ومن الأمم التي استطاعت أن تتخلص من هذه الظواهر السيئة بالانقلاب عليها واستبدال التقاليد والعادات المختلفة بأسباب النهضة الصناعية والإصرار على خلق أجيال صناعية مهنية استطاعت أن تغزو أسواق العالم بمنتجاتها الصناعية وأن تنافس الدول العظمى، ويصبح لها شأن في العالم كاليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا، وكذلك التنين الكبير القادم من الصين التي سيصبح لها شأن قوي جدا، وذلك بفضل الصناعة وليس بكونها أكبر دولة من حيث تعداد السكان الهائل، حيث استطاعت أن تتغلب على الانفجار السكاني بالنهضة الاقتصادية المنافسة التي أساسها الصناعة بأيد وطنية بحتة.
8- حيث إن ديننا الحنيف أشار إلى أن الله خلقنا إخوة في الله لانتميز عن بعضنا إلا بالتقوى ومقدار طاعتنا لله سبحانه وتعالى، وقربنا إليه، بالرغم من تميزه لنا في الخلق والرزق التي هي مشيئته، وامتحن الله بها عباده، ولم يكن القصد من هذا التمايز ان نصف المجتمع على هيئة فئات متقوقعة تتفاخر بالأحساب والأنساب والماضي البعيد وأمجاده الغابرة التي أصبحت في زوايا التاريخ وجزءا من الماضي، وأصبحنا في عالم جديد لا يحترم إلا الحضارة والرقي ومقارعة الخصوم في مبادئ الاقتصاد والتعلم والصناعة والزراعة والتطورات التقنية الحديثة التي تأتي كل يوم بجديد ونحن نندب الماضي بأمجاده وصوره المختلفة ونكسب دموع الحسرة على ما نراه من ازدهار الحضارات يمنة ويسرة ليس لنا إلا أن نعيش كمستهلكين لكل شيء وسبيلنا إلى الحياة هو اعتمادنا على ما تنتجه بلادنا من ثروات طبيعية يديرها ويصنفها ويطورها الأجانب من أرباب العلم والتكنولوجيا، ونحن نرضى بالفتات ولا نحسب حسابا للأجيال القادمة من شبابنا، وبما آل إليه شباب الحضارة في أسواق الكساد والبطالة والبطالة المقنعة أي (العطالة).
9- وهذه الحال لها دواء وعلاج ناجح يكمن فيما يلي:
أ - التوعية الجادة والمركزة والحرفة حول الشباب والمهنة والحرفة والترغيب بالمهنة والحرفة ورفع الصفات المناطة بالمهنيين والحرفيين ونبذ التفرقة بين الناس لمكونات المجتمع من تصنيف وتمايز عرقي وما يردده بعضهم من فروق اجتماعية بين القبائل ونبذ شرائح من المجتمع لمكونات هابطة لارتباطهم بالصناعة والمهنة هذه كلها يمكن أن يتسع لها بحث بل بحوث يتبناها المثقفون والعلماء من أبناء هذه الأمة التي أفاء الله عليها بالنعم الكثيرة، وكانت سبباً لرفعة شأن بعضهم وسببا في تحضير الآخرين الذين لجأوا للحرفة والصناعة كوسيلة لكسب الرزق الشريف من عرق الجبين.
ب - التوعية للأسر وأولياء الأمور بأن يغيروا توجيهاتهم نحو أبنائهم وأن يبرز لهم الحال الحقيقية التي كنا عليها في زمن ليس بالبعيد، وأننا كنا جنس واحد وعنصر واحد، وأن أسماءنا وألقابنا واحدة أو متقاربة، وأن من غير اسمه لأسباب أنه هاجر من بلد إلى آخر ولبعد الشقة حيث لم تكن هناك مواصلات كما هي الحال فعاش هناك وتزوج وأنجب وأصبح يحمل اسما شبيها باسم العائلة الأساسي في البلدة (أ) مثله مثل الاسم في البلدة (ب).
ت - المسؤولية في التوعية تقع أول ما تقع على أولئك الحكماء الذين- وفقهم الله- لارتقاء المنابر ومخاطبة المجتمعات سواء في المساجد أو المحاضرات أو النوادي والاحتفالات والدورات الثقافية والتوعوية الإعلامية وكذلك الكتاب المتمكنون.
ث - إن أي توعية في هذا الاتجاه لامحالة تصب لصالح الأمة كلها التي ستكون نتائجها من أجل الشباب الحاضر والمستقبل بإذن الله وأن لافائدة من التمايز والفرقة.
ج - البطالة داء وفتنة وفرقة في جميع بلاد العالم، وتوجد نسب البطالة تلك لأن المهن والوظائف قليلة لاتغطي احتياج المواطنين والناتج الفعلي من التعليم والتدريب، ولكننا في هذه البلاد نجد من الوظائف الفنية والمهنية بعدد العمالة الأجنبية التي تفوق العشرة ملايين 10.000.000 بينما الناتج الفعلي من معاهد المهن والتدريب لايتجاوز الآلاف سنويا بل نكاد لانرى مخبزا أو صالونا أو مطبخا.. الخ إلا وفيه عمالة أجنبية، ولا يوجد المواطن في هذه المهن المكسبة جدا جدا بينما شبابنا يتأفف من هذه المهن ولاتكاد تدخل معرضا للملابس أو كماليات أو أدوات منزلية أو مفروشات.. إلخ إلا وترى فيها العمالة فقط وإن وجدت واحداً يلبس الثوب والشماغ فإنما هو عامل من دولة صديقة، وأبناؤنا لايكادون يعرفون شيئا عن هذه المهن السهلة جدا والوظائف البالغة السهولة في الكفاءة واللباقة ونادرا ما تجد العطالة في أي بلد مثلما هي موجودة في بلادنا.
10- التشجيع والدعوة إلى العمل المهني: برنامج البعثات المهنية.
أ - لماذا لا نشجع الشباب على المهن والحرف ونوجد سبلا غير تلك السبل التقليدية كمعاهد التدريب المهني أو الكليات التقنية التي لاتكاد تغطي المجالات المتعددة والمتطلبات المتزايدة من الأيدي الشابة الوطنية.
فهناك ألف طريقة وطريقة لجلب الشباب إلى الأعمال الحرفية والمهنية مثل الدراسة في الخارج واعتبار ذلك إغراء للشباب بجانب معاهدنا ومراكزنا المهنية الوطنية كأن تطرح أفكار لابتعاث عدد من النجارين إلى الدولة (أ) وعدد من السباكين إلى الدولة (ب) وعدد من الحدادين إلى الدولة (ج) وهكذا وتغطي كل التخصصات المهنية ولفترات وجيزة يأتي بعدها الشاب وقد تعلم حرفة تكفيه مؤونة الحياة وتدر عليه دخلاً كبيراً، ومن ثم يفتح ورشة أو مركزا في اختصاص مهنة يزاولها بيده ولا يستخدم بها عمالا من غير جنسيته، وستقوم الدولة بتقرير القروض الميسرة لذلك كما هو الحال في صناديق التنمية الأخرى.
ب- لقد قدمت الدولة- أعزها الله- برامج رائعة وكثيرة في مجال التعليم العالي والتخصصات الكبرى ونحن بانتظار وصول هذه الكفاءات العالية للتواصل مع زميلاتها من كفاءات في مجال التخطيط والإشراف، ولكننا نحتاج إلى قاعدة عريضة من العمالة الوطنية تستطيع أن تقوم بمهمة التنفيذ والإنجازكأيد وطنية تشارك جنباً إلى جنب مع ناتج الفكر الوطني الأصيل لإخراج عمل وطني بحت ينافس الأجنبي في بلاده.
ت - لانقول: إننا لانريد العمالة الأجنبية، وأننا سنقاطع الوافدين للعمل في بلادنا الناهضة التي تحتاج إلى كل قطرة عرق للمساهمة في إنجاز ماهو مجدول من مشاريع ضخمة وجبار لتطوير هذه البلاد- رعاها الله- وحفظ عليها قادتها الحكيمة ورجالها المخلصين، ولكننا نريد أن ننظم هذه العمالة التي أصبحت تزيد عن الحاجة، وأصبحت عرضة للاتجار وتشكل سوقاً سوداء وفتحت مجالا للتلاعب وسوء الاستخدام، ولكن صاحب الحاجة مضطر لاستخدام هذه العمالة السائبة خلافا للنظام طالما أنه ليس هناك حماية جادة لأصحاب المؤسسات وأرباب العمل، وأن عمالتهم ستهرب منهم للعمل في مكان آخر أو بلد آخر بعيد عما يسمى بالكفيل أو صاحب الترخيص الشرعي ليعمل لدى شخص آخر، ويأخذ أكثر أو أن يعمل لحسابه الخاص، وهناك تفقد المصلحة وتضيع الحقوق وتخلق مشكلة جديدة هي تسيب العمالة ويضطر أصحاب العمل النظامي في رفع الشكاوي وطلب عمالة أخرى يقومون بالعمل بدلاً من الهاربين والمتسيبين.
ث - عمالة المشاريع يمكن أن يكون هناك أساليب لحصر العمالة والسيطرة عليها وهي عمالة المشاريع أي أن تعطي المشاريع الكبيرة نسبة من العمالة الفنية بعد تطعيمها بنسبة من العمالة الفنية الوطنية تحتل جميع الوظائف الإدارية والمحاسبة والإشرافية والتسويقية والمهنية المتوفرة إذا وجدت، وبعد الانتهاء من المشروع يمكن الاستغناء عن العمالة القادمة لهذا المشروع وحصرهم ومعرفة مصيرهم، إما بالسفر أو التدوير إلى مشروع آخر.
ج - تفعيل دور تنمية الموارد البشرية لتواكب متطلبات الأوضاع المتطورة من حين إلى آخر التي تطرح المزيد من الأيدي العاملة السعودية لتشارك هذه الهيئة في مجال ابتعاث المهن واستيعاب الخريجين بصورة مستمرة ومتابعة التخطيط والتنفيذ والإشراف لتطوير العمل الوطني وبرنامج السعودة.
ج - فتح مكاتب لتوظيف السعوديين في القطاع الخاص والحكومي، وذلك تقوم هذه المكاتب كل حسب تخصصه بحصر المتطلبات في الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة على النحو التالي:
1- مكتب توظيف لمندوبي المبيعات والمسوقين والبائعين والمحاسبين والمشرفين والإداريين والسائقين.
2- مكتب توظيف النجارين والسباكين والحلاقين والكهربائيين والحدادين وباقي الحرفيين.
3- مكتب توظيف المديرين العاملين - والمحاسب القانوني والمحامين.
4- يسمح للشباب الراغب بالعمل بالتعاون مع هذه المكاتب بالبحث عن الوظائف التي تلائم تخصصاتهم ومهنهم وتقدمها للمكتب المختص الذي يقوم بعملية الإحلال متى ما وجد أن العامل السعودي كفء وقادر على هذه الوظيفة.
5- يجب أن يخضع الشاب السعودي لشروط العمل الانضباطي وعدم التهرب عن العمل والخضوع من العمل لنظام المؤسسة التي سيعمل بها بموجب عقد يجدد كل ثلاث سنوات، ويتماشى مع نظام وزارة العمل.
6- ارتباط هذه المكاتب بشكل مباشر مع وزارة العمل.
كل هذه الأمورخاضعة للدراسة والتمحيص للخروج بأفكار قابلة للتنفيذ والتطبيق لنساهم بتوفير اليد العاملة الوطنية والتخفيف من زحف الوافدين من الخارج الذي أصاب الناس بالاتكالية والاعتماد على الوافد في كل الأمور، والتركيز بشكل هام على الإعلام في التوعية المستمرة والتطرق إلى كل ما سبق حتى نصل إلى نتيجة تحمي وطننا وثرواتنا وأبنائنا من الاستغلال والضياع.
وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح والله من وراء القصد.